نجلاء العتيبي
لعل اختيار طريقة شراء الكتب يعكسُ تفضيلاتنا الشخصية، وارتباطنا العاطفي بتجربة القراءة، فحين نتحدَّث عن شراء كتاب عبر خدمة «أون لاين»، فإننا نحتفي براحة الوصول، وسرعة التوصيل، وثراء الخيارات المتاحة بضغطة زِرٍّ. لكن، هل تكفي هذه السهولة؛ لتعويض ما يمكن أن نخسره من متعة زيارة معرض الكتاب؟
معارض الكتب ليست مجرَّد تجمُّعات لبيع المجلدات أو تصفُّح العناوين، بل هي مشاعلُ تضيء دروب الفكر، وتجدِّد صلة الإنسان بالمعرفة؛ إنها نوافذ تُفتح على عوالم لامتناهية، ومساحات تنبض بروح الإبداع والحوار. في المملكة العربية السعودية، أصبحت معارض الكتب رمزًا ثقافيًّا يعكس نهضة فكرية تستمدُّ جذورها من تاريخ عريق، وتستشرف آفاق المستقبل.
محطات ثقافية تُوحِّد بين الماضي والحاضر، تتجمَّع فيها دور النشر من شتَّى أنحاء العالم، فتتحوَّل القاعات إلى ملتقيات تمتزج فيها اللغات، وتتقاطع فيها الثقافات، ويجد فيها القارئ ما يُغذِّي روحه، ويُثري معرفته.
تجربة التجوُّل في أروقة هذه المعارض أشبه برحلة استكشافية، حيث تتلاقى الأعين مع أغلفة تحمل حكايات مختلفة، ترى زائرًا يُقلِّب صفحات كتابٍ بحثًا عن فكرة تغيِّر نظرته للعالم، وآخر يحمل ديوان شعر كأنما وجد فيه صدى روحه، إنها أماكن تُصقَل فيها الهويات الفردية، وتنصهر داخلها الرؤى المتنوعة في بوتقة فكرية واحدة.
لا تقتصر معارض الكتب على عرض الإصدارات فقط، بل تتعدَّاها إلى كونها منصات حوارية، وورش عمل تفتح آفاقًا جديدة، تستضيف نخبة من المفكرين والكُتّاب، يُقدِّمون رؤاهم، ويُشعلون نقاشات حول قضايا العصر، هذه الفعاليات تُعمِّق دور الكتاب بوصفه أداةً لتأصيل الفكر، وإعادة تشكيل المفاهيم.
ما يُميِّز معارض الكتب في المملكة هو اهتمامها بجميع الفئات العمرية، تجد في أركانها مساحات مخصَّصة للأطفال، حيث يتعرَّفون على جمال القراءة من خلال قصص مصورة، وأنشطة تفاعلية. في المقابل، تفيض زوايا أخرى بكتب علمية وأدبية تشدُّ انتباه الباحثين والمهتمين.
إنها دعوة شاملة لكل فرد كي يجد مكانه في عالم المعرفة.
تجمُّع ثقافي زاخر بالمفيد، وهي انعكاس لرؤية وطنية تُعلِي من شأن الكلمة المكتوبة. ضمن رؤية 2030، باتت هذه الفعاليات جزءًا أساسيًّا من مشروع بناء مجتمع المعرفة، حيث يتمُّ توظيف الثقافة؛ لتمكين الإنسان، وإعداده لمواجهة تحديات المستقبل.
الكُتُب هنا ليست مجرد سلعة، بل هي أداة تفتح آفاق العقول، وتحفز الإبداع.
وفي ظل هذا الزخم، يبقى دور معارض الكتب أعمق من مجرد الاحتفاء بالمكتوب؛ إنها تُعيد تعريف علاقتنا بالقراءة، تُذكِّرنا أن الكتاب هو الرفيق الذي يُنير العتمة، والنافذة التي نُطلُّ بها على العالم، فكل كتاب يُقتنى من هذه المعارض هو قصة جديدة تبدأ، وكل نقاش يُدار هو لبنة تُضاف في بناء مجتمعٍ واعٍ.
بهذا، تتحوَّل معارض الكتب في المملكة إلى ملاحم ثقافية يتردَّد صداها في الأجيال القادمة، حيث تُشكِّل كتب اليوم ملامح الغد، وتُؤكِّد أن أمة تقرأ هي أمة تكتب مستقبلها بحكمة وإبداع.
ضوء:
«وَخَيْرُ جَلِيسٍ فِي الزَّمَانِ كِتَابُ» -المتنبِّي.