محمد سليمان العنقري
تطور سوق الأسهم السعودية خلال السنوات القليلة الماضية بشكل كبير من خلال الانظمة والتشريعات التي حفزت على زيادة الإدراجات في السوق الرئيسي، وكذلك سوق نمو وهي بالمجمل تعد تحولات مهمة ترفع من دور سوق المال عموماً في دعم عجلة التنمية وتطوير القطاع المالي ليلعب دوراً واسعاً في زيادة الناتج الإجمالي من خلال إتاحة الفرصة لشريحة واسعة من الشركات للتمويل عن طريق السوق لتوسيع نشاطها وتلبية احتياجاتها المالية لمواجهة التحديات، وكذلك الحفاظ على هذه الكيانات المهمة خصوصا العائلية منها من خلال تحويلها لمساهمة عامة تخضع لحوكمة وإمكانية دخول مستثمرين جدد اضافة لتوظيف المدخرات في السوق لتعظيم حجمها للمستثمرين وهي الأسس التي تشمل تقريباً جل أهداف سوق المال.
وبالمقابل، فإن من عوامل جاذبية الأسواق زيادة العمق، والذي يقصد به بشكل أساسي عمق السيولة من خلال ارتفاع حجم التداولات بالسوق اليومي والسنوي بنهاية المطاف، والتي من الطبيعي أن تتعرض لتقلبات بين فترة وأخرى، وهنا لابد من النظر إلى دور شركة تداول المالك والمشرف على إدارة أسواق الأسهم ففي المنطق البسيط لفهم دورها هي تشابه اي مجمع تجاري يحوي متاجر مستأجرة؛ فمهمة إدارة هذا المجمع وملاكه توفير كل الظروف لزيادة عدد مرتادي السوق حتى ترتفع مبيعات المتاجر من خلال مجموعة مبادرات تسويقية مدعومة بممكنات عديدة وفي سوق الاسهم يفترض ان يكون دور شركة تداول توفير الظروف التي تدعم زيادة السيولة في تداولات السوق لتزداد جاذبيته من خلال توفير أفضل طرق التداول، وكذلك الادوات التي تساهم بزيادة السيولة فالسوق جذب عشرات الشركات للإدراج، وأصبح من الأميز ليس بين الاسواق الناشئة بل حتى عالمياً من خلال حجم طرح الشركات للاكتتابات، وهذا ما يعد نجاحاً كبيراً بكل تأكيد
لكن ما يلاحظ في الشهور الأخيرة هو التقلبات الكبيرة في حجم التداول اليومي إلى أن وصلت لمستويات متدنية تقارب أربعة مليارات ريال يومياً بعد ان كانت بالمتوسط لا تقل عن ستة الى سبعة مليارات واكثر من ذلك، وهو ما يتطلب التحرك من قبل تداول لمعرفة الاسباب وراء ذلك فهي تستفيد من عمولات التداول وكونها شركة تجارية مدرجة بالسوق المالي فمن الضروري أن تهتم بزيادة مواردها.
وعمولات التداول تشكل أهم ايراداتها، فلو نظرنا للعوامل الأساسية للاقتصاد الوطني فهي بأفضل أحوالها ومعدلات النمو المحققة بالقطاع غير النفطي كبيرة وخطط التنمية تسير وفق ما رسم لها في رؤية 2030 ويضاف عليها الكم الكبير للمشاريع التي سترتبط باقامة أهم الفعاليات على أرض المملكة مثل كأس العالم لكرة القدم، وكذلك اكسبو الرياض 2030 اضافة للعديد من الفعاليات السنوية التي تزداد معها نشاطات اغلب القطاعات الاقتصادية. أما الاقتصاد العالمي فصحيح انه يعاني من تحديات لكنه بوضع افضل من فترة جائحة كورونا بكثير، وقد يكون تجاوز اغلب التحديات التي تلتها كما ان المعروض النقدي بالاقتصاد يعتبر بمستوى مرتفع.
هيئة سوق المال طورت أنظمة وتشريعات الأسواق المالية بما يوازي ماهو موجود بأكبر الأسواق العالمية، وبذلك اسست لبيئة جاذبة للادراجات وتوسيع حجم السوق المالي والتنوع بالمستثمرين من الداخل والخارج وكذلك الأفراد والمؤسسات ولكن يبقى الدور الاهم على شركة تداول، بحكم مسؤوليتها المباشرة عن الحركة والنشاط بسوق الاسهم ان تنظر لعوامل جذب السيولة للتداولات فهي من أهم العوامل التي تزيد من عدد المتعاملين إضافة إلى أن تصبح بمستويات شبه مستقرة في متوسطاتها، وتنمو سنوياً بما يتناسب مع حجم الاقتصاد الوطني وما يمثله السوق المالي فيه حيث تبلغ القيمة السوقية اكثر من عشرة تريليونات ريال فمن غير المعقول أن تكون التداولات برقم بسيط جدا يقارب أربعة مليارات فقط ، فلابد من العمل على الحد من التقلبات الحادة التي يشهدها السوق حالياً بمتوسط السيولة وتراجعها لمستويات منخفضة جداً..