د. أحمد محمد القزعل
لطالما كان الشعب السوري مثالاً للصمود والتحدي في وجه أعتى الأزمات التي مرت بها المنطقة، ومع سقوط نظام بشار الأسد ستواجه سوريا مرحلة مفصلية تتطلب إعادة بناء الوطن والإنسان على أسس جديدة من العدالة والحرية والكرامة، وسوف يتطلب الأمر جهداً جماعياً لتجاوز العقبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أرهقت سوريا على مدار عقود، ومع ذلك فإن السوريين يمتلكون من المقومات والإرادة ما يؤهلهم لعبور هذه المرحلة الصعبة نحو مستقبل أكثر إشراقاً.
يتميز الشعب السوري بالكثير من المقومات التي تؤهله لتجاوز محنته، حيث يتمتع السوريون بقدر عال من التعليم والوعي الثقافي إذ كانوا على مر العصور رواداً في العلوم والفنون والأدب، كما أن مهاراتهم في التجارة والصناعة معروفة في المنطقة وتعتمد عليها الكثير من الدول في العالم، ويمتلك الشعب السوري نسيجاً اجتماعياً غنياً متعدد الثقافات والأديان مما يعزز التفاهم والحوار بين مختلف مكونات المجتمع، وهذا التنوع كان وما زال مصدر قوة لسوريا؛ حيث يمكن استغلاله لبناء دولة مدنية حديثة تقوم على التعددية والاحترام المتبادل، إضافة إلى ذلك فإن السوريين لديهم تاريخ طويل في العمل الجماعي والمبادرات الأهلية التي أثبتت فعاليتها خلال الأزمات من خلال منظمات المجتمع المدني التي تعمل على دعم المتضررين وإعادة إعمار ما دمرته الحرب.
حقيقة لا يمكن الحديث عن مستقبل سوريا دون التذكير بعراقة تاريخها وشعبها، فتاريخ سوريا حافل بالأمجاد التي تمتد من الحضارات القديمة مثل الآرامية والفينيقية إلى العصور الذهبية للمدن السورية كدمشق وحلب التي كانت مراكز حضارية وتجارية في الشرق الأوسط، كما أن الشعب السوري ساهم في بناء الحضارة الإنسانية من خلال علمائه ومفكريه، ولقد كانت سوريا ملتقى الثقافات والديانات ومركزاً تجارياً مهماً على طريق الحرير، وهذا ما أكسب شعبها خبرة في التعايش والتبادل الثقافي والحضاري، وهذا الإرث التاريخي يمنح السوريين القوة لإعادة بناء دولتهم وفق أسس منفتحة ومتحضرة.
ولقد عبر العديد من الكتاب والشعراء عن حبهم وإعجابهم بسوريا وشعبها، فيقول الشاعر الكبير نزار قباني: « كل دروب الحب تؤدي إلى دمشق»، وهذه العبارة تختصر مكانة سوريا في القلوب وعمق تأثيرها في الثقافة العربية، كما يقول المفكر اللبناني جبران خليل جبران: «في كل سوري يولد نسر من نسور الحرية»، وهذا يعكس روح الشجاعة والحرية التي تسكن قلوب السوريين والتي ظهرت جلية في مواقفهم ضد الظلم والطغيان.
وبالتطلع نحو المستقبل تبدو التحديات كبيرة، لكن يمكن لسوريا أن تنهض من جديد عبر بناء مؤسسات دولة حديثة تعتمد على سيادة القانون والشفافية ، كما أن المصالحة الوطنية ستكون حجر الزاوية في عملية إعادة الإعمار لضمان مشاركة جميع أطياف المجتمع في بناء وطن موحد وقوي، كما أن الاستثمار في التعليم والصحة والبنية التحتية سيكون مفتاحاً لإعادة سوريا إلى موقعها كقوة اقتصادية وثقافية في المنطقة، مع أهمية تعزيز دور الشباب والمرأة في القيادة وصنع القرار ليكون المستقبل مبنياً على سواعد كل أفراد المجتمع.
ولقد أثبت التاريخ أن الشعوب القوية قادرة على النهوض مهما كانت الظروف، وبإرادة السوريين وتكاتفهم وبثقتهم بأنفسهم ستعود سوريا لتكون منارة للحضارة والإنسانية، وهذه الروح السورية لن تنكسر أبداً، وستظل تدفع البلاد نحو مستقبل مشرق حيث الحرية والكرامة، وحيث يتجدد الأمل في كل بيت وشارع ومدينة.