د. غالب محمد طه
حذر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، من المخاطر الكبيرة التي قد يسببها الاستخدام غير المسؤول لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي على الديمقراطية والسلام والاستقرار العالميين. فقد أشار بوضوح إلى أن تعزيز المعلومات المغلوطة والمضللة، وخطاب الكراهية، وانتشار التزييف العميق، يمكن أن يؤدي إلى آثار هائلة على نسيج المجتمعات، مهددًا بتقويض أسس الثقة والتفاهم بين الأفراد.
هذه التحذيرات تثير تساؤلات عميقة حول الدور الذي يمكن أن يلعبه الذكاء الاصطناعي في تعزيز الديمقراطية والسلام، وأين تكمن الخطوط الفاصلة بين الفائدة والإضرار في استخدامه. هل يمكن أن يكون أداة لتحقيق الشمولية حقًا؟ وما هي الشروط التي يجب توافرها لضمان ذلك؟
السعودية، كعادتها، التقطت قفاز المبادرة عبر منتدى حوكمة الإنترنت (الرياض 2024)، حيث يسعى «إعلان الرياض» إلى معالجة هذه التحديات عبر تعزيز الشمولية والمشاركة العالمية لتطوير تكنولوجيا موثوقة وآمنة تخدم الإنسانية جمعاء. من خلال هذه المبادرة، تسعى السعودية إلى تعزيز الشراكات الدولية وتحقيق العدالة الرقمية والتنمية المستدامة. هنا، يمكننا النظر إلى سؤال آخر: كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في تحقيق التنمية المستدامة في المملكة وفي العالم؟ الإعلان يبرز الحاجة الملحة لتعاون دولي فعال لضمان الاستخدام المسؤول لهذه التكنولوجيا، ويشدد على أهمية تحقيق التنمية المستدامة من خلال الذكاء الاصطناعي في المجالات البيئية، الصحية، والاقتصادية.
الذكاء الاصطناعي يلعب دورًا محوريًا في إعادة صياغة مستقبل الإنسانية، مما يجعله أداةً قوية قادرة على دعم التنمية المستدامة إذا ما أُسست قواعد الاستخدام المسؤول. «إعلان الرياض» يبرز الدور المحوري للمملكة في قيادة حوار عالمي حول هذا الدور، حيث يقدم رؤية شاملة قائمة على الابتكار، المسؤولية، والشمولية. كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون وسيلة لتحقيق شمولية حقيقية في ظل الفجوات التقنية الواسعة؟ من خلال تمكين الأفراد والمجتمعات للوصول إلى أدوات الذكاء الاصطناعي واستثمارها في محو الأمية الرقمية وتعزيز المعرفة، يسعى الإعلان إلى تقليص الفجوات بين الدول النامية والمتقدمة.
يسعى «إعلان الرياض» لتقديم حلول مبتكرة لتقليص التفاوت الرقمي العالمي، عبر تمكين الدول النامية من الوصول المنصف إلى البيانات والخوارزميات.
هنا أيضًا تظهر التأملات الشخصية حول كيفية تأثير الذكاء الاصطناعي بشكل خاص على المجتمع السعودي. هل يمكن له أن يكون أداةً للتنمية المستدامة إذا ما جرى استخدامه بطريقة مسؤولة؟ بماذا يختلف المشهد السعودي عن غيره من الدول؟ من خلال الحوكمة العادلة للذكاء الاصطناعي، يُبرز «إعلان الرياض» أهمية الشمول الرقمي كأحد أركانه الأساسية.
إعلان الرياض ركز على الإمكانات الهائلة للذكاء الاصطناعي في دعم تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وذلك عبر توظيفه كأداة محورية في المجالات البيئية، الصحية، والاقتصادية.
على مستوى حماية البيئة، يسهم الذكاء الاصطناعي في تطوير تقنيات دقيقة لمراقبة الانبعاثات الكربونية، وتحسين كفاءة الطاقة، والتنبؤ بالكوارث البيئية لتداركها بشكل استباقي. هنا نلاحظ كيف تتداخل التنمية المستدامة مع الابتكار في الذكاء الاصطناعي، حيث يُمكن لتلك التقنيات أن تساهم في الحفاظ على البيئة. أما في مجال الصحة العامة، فتعزز النماذج الذكية التشخيص الطبي وتساهم في تطوير أنظمة الرعاية الصحية بشكل أكثر دقة وفعالية، وفي الجانب الاقتصادي، يُسهِم الذكاء الاصطناعي في تحقيق الشمول الاقتصادي عبر فتح آفاق جديدة تُحفّز الإنتاجية وتقلّل من الفجوات الاقتصادية.
ضمن محاور «إعلان الرياض»، تأتي حوكمة الذكاء الاصطناعي كركيزة أساسية لضمان الاستخدام المسؤول لهذه التقنيات. يضع الإعلان إطارًا أخلاقيًا يرتكز على عدالة الخوارزميات من خلال تحديد المبادئ اللازمة لضمان أن الأنظمة الذكية لا تُكرّس التمييز ولا تؤثر سلبًا على المجتمعات. لتحقيق هذه المبادئ، من الضروري العمل على تصميم الخوارزميات بشكل شفّاف ومتوازن، وتطوير آليات للمراقبة والتقييم المستمر لتلك الأنظمة. بالإضافة إلى ذلك، من المهم أن تتعاون الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني بشكل فعال لضمان حماية البيانات الشخصية بطرق آمنة ومسؤولة، من خلال وضع قواعد واضحة لتقنين الوصول إليها واستخدامها. إن «إعلان الرياض» يعزز دور التعاون الدولي كمنصة فعالة للحوار والتنسيق العالمي، مما يساعد على تحقيق الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي في خدمة البشرية.
الذكاء الاصطناعي أيضًا أداة لإعادة تشكيل الابتكار في مجالات الأعمال والإنتاجية، فمبدأ الابتكار المسؤول الذي يدعو إليه «إعلان الرياض» يخلق توازنًا بين التطور التقني والمسؤولية الإنسانية، لضمان أن تكون نتائج الذكاء الاصطناعي ذات تأثير إيجابي مستدام على المجتمعات. تُسهم هذه التقنيات في تحسين كفاءة الإنتاج، واكتشاف الفرص السوقية الجديدة، وتعزيز التنمية الاقتصادية بطرق أكثر استدامة. ومع ذلك، تظل المساءلة والحوكمة عنصرين أساسيين لضمان عدم استخدام الذكاء الاصطناعي بطرق تُعمّق الفوارق الاقتصادية أو تُلحق أضرارًا بالبيئة.
إن «إعلان الرياض» يمثل دعوة مفتوحة لإعادة التفكير في الذكاء الاصطناعي كأداة للتقدم الإنساني وتحقيق العدالة والتنمية المستدامة. غير أن تحقيق الرؤية الطموحة للإعلان يتطلب تعاونًا محليًا ودوليًا، إلى جانب وضع إطار عمل يضمن الابتكار المسؤول والشمولية.
في نهاية المطاف، يظل التساؤل مطروحًا: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحقق الشمولية والتنمية المستدامة أم سيظل امتيازًا للدول القوية؟ الإجابة تكمن في تحويل مبادئ «إعلان الرياض» إلى واقع ملموس يضمن للذكاء الاصطناعي أن يكون أداة لتحسين حياة البشرية كافة، لا مجرد تقنية نخبوية تُعمّق الفجوات التنموية.
ندعو بقية الدول العربية للاستلهام من هذا النهج، والعمل معًا على تعزيز الابتكار المسؤول في مجال الذكاء الاصطناعي، والتعاون لتحقيق العدالة الرقمية والتنمية المستدامة. مثل هذه الجهود المشتركة من شأنها أن تسهم في بناء مجتمع رقمي عربي أكثر تماسكًا وتقدمًا، قادراً على مواجهة تحديات العصر الرقمي والاستفادة من الفرص التي يتيحها الذكاء الاصطناعي للجميع.