تغريد إبراهيم الطاسان
إن «صناعة الأثر» ليست مجرد عملية عابرة أو متعلقة بلحظة زمنية محددة، بل هي فلسفة حياة وجوهر التغيير الذي يحدث في الأعماق قبل أن يظهر على السطح.
إن الأثر الذي يتركه الأفراد والمجموعات في العالم هو تعبير عن القدرة على التأثير في الوعي الجمعي، وتوجيه مسار الأجيال نحو آفاق جديدة من الفهم، والتفاعل، والنمو.
ولكن يتبادر سؤال مهم: من هم المؤثرون؟ وهل تختلف بوصلة التأثير من جيل إلى جيل؟ وما دور المؤسسات، مثل وزارة الإعلام، في توجيه ذلك الأثر؟
في واقع الحال، يظهر المؤثرون ليس فقط في الأماكن التقليدية التي كانت تحتلها النخب الفكرية أو الثقافية، بل بدأوا يتوزعون بين منصات الإعلام الاجتماعي، حيث أصبح لكل فرد قدرة على تشكيل رأي عام أو نقل رسالة قد تلامس ملايين الأرواح.
ونلاحظ أنه تتباين قوة التأثير على مدار الأجيال، ففي حين كانت الأجيال السابقة تتأثر بالأفكار التي تُطرح عبر كتب الفلاسفة أو المحاضرات الأكاديمية، نجد أن جيل اليوم يشهد تحولًا جذريًا في آلية التأثير، حيث أصبحت منصات الإنترنت ساحة جديدة للفكر، والتحفيز، والنقد.
الأمر الذي يعكس التغير في بوصلة المؤثرين الذين أصبحوا قادرين على التأثير بشكل مباشر وفوري عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ولهذا التأثير القوي والفعال وسلاحه ذو الحدين الذي يمكن أن يوجه نحو دفع المجتمع للارتقاء والإنتاجية والمحافظة على المكتسبات وتعزيزها.. أو العكس.. فطن قائد التغير والفكر والابداع سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز لذلك واهتم به وبأثره.. ومن اهتمامه وحرصه عملت وزارة الاعلام بجد وعزم لاحتواء ذاك وتوجيهه إيجاباً ليغذي عروق المجتمع وشرايينه بأثر الايجابي لنمو مستدام.. ومن هنا جاء ملتقى «صناع الأثر» الذي أقيم بالدرعية الأسبوع الماضي بتنظيم من وزارة الإعلام، يعد نموذجًا حيًا لهذا التفاعل الفكري والتغييري بين الأفراد والمجتمعات، وهو فرصة لتوحيد الجهود نحو خلق أثر ملموس في الواقع الاجتماعي والثقافي.
ولعل دور وزارة الإعلام في هذا السياق يتعدى مجرد الدعم والتوجيه الإعلامي، ليصبح شريكًا في ترسيخ ثقافة التأثير والتغيير الإيجابي، مع توفير المنابر التي يمكن من خلالها للمؤثرين أن ينقلوا رسائلهم للمجتمع.
ومن هنا، يصبح من الواضح أن الوزارة لا تقتصر على التنظيم فحسب، بل هي راعية لتوجيه الأثر الفكري نحو تحقيق التحولات التي تسعى لها المجتمعات.
إن اكتشاف المؤثرين الحقيقيين يتطلب فهمًا عميقًا للطبيعة البشرية ولقدرة الأفراد على التأثير في محيطهم. وهذه الفكرة ظهرت في فلسفة عميقة جداً لخصت الفكرة والفرق بين الشهرة والأثر وكيف تركب أمواج المنصات وكيف تتصارع من أجل الصدارة ولكن بمحتوى إما بنَّاء أو هادم.!! هذه الفلسفة قدمت باستعراض فني آسر ومؤثر جداً في حفل الافتتاح.
فالمؤثر ليس بالضرورة من يمتلك أكبر عدد من المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي، أو من يظهر في الأضواء بشكل مستمر، بل هو من يمتلك القدرة على إحداث تغيير حقيقي في الأفكار والسلوكيات.
لا يمكننا أن نكتشف المؤثرين بناءً على الشعبية السطحية فقط، بل يجب أن نبحث عن تلك الشخصيات التي تحمل رؤية جديدة، وقيمًا أصيلة، وقدرة على تحفيز الآخرين على اتخاذ خطوات ملموسة نحو التغيير.
لكي نستثمر في هؤلاء المؤثرين بشكل فعّال، يجب أن نمنحهم المنابر التي تتيح لهم التعبير عن أفكارهم بعمق، مع توفير البيئة المناسبة التي تشجعهم على النمو وتوسيع دائرة تأثيرهم.
ويمكن تحقيق ذلك من خلال دعم المبادرات التي تتبنى الفكر النقدي والمبدع، وتوفير مساحات حوارية تشجع على طرح الرؤى الجريئة والمختلفة.
كما يجب أن نستثمر في تطوير مهاراتهم الإعلامية والاجتماعية، لأن التأثير لا يقتصر على القدرة على تقديم أفكار جديدة، بل يمتد أيضًا إلى كيفية توصيل هذه الأفكار بشكل مؤثر، سواء عبر الكلمة أو الصورة أو الفيديو.
وبذلك، يصبح اكتشاف المؤثرين واستثمارهم عملية تتطلب رؤية استراتيجية طويلة المدى، تتمحور حول دعم الأفكار الجادة والمبنية على القيم الإنسانية، وتوجيه الأفراد الذين يمتلكون القدرة على تغيير العالم للأفضل.
إذن، في عالم متسارع ومتغير، تتوزع فيه السلطة على الأفراد أكثر من أي وقت مضى، نجد أن صناعة الأثر هي لا محالة مهمة فلسفية في المقام الأول، تتطلب الفهم العميق لآليات التأثير، وطبيعة التغيير الذي يمكن أن ينتج عن كل فكرة أو عمل.