د.عبدالله بن موسى الطاير
عملية إرهابية مروعة حصلت في المانيا، حيث اقتحمت سيارة مسرعة حشدا من المتسوقين في سوق شعبي يؤمه الناس لشراء هدايا عيد الميلاد بمدينة ماغدبورغ في ألمانيا، مما أسفر عن مقتل وجرح العشرات، والجاني تم اعتقاله.
هذه المرة ليس دافعه تطرف ديني يستهدف «الكفار»، ولا أي من الدوافع التي كانت تحرك التنظيمات الإرهابية الدينية المتطرفة، التي تتخذ من الإسلام غطاء لأعمالها الوحشية.
العالم بأسره يعبر منعطفات حادة، ويخيل للبعض أن الأمور تحت السيطرة، وأنهم يحيطون بما يحدث من حولهم، ومما يزيد الصورة قتامة أن الأحداث المهولة من حولنا تحولت إلى مشاهد مثيرة صبغتها الإثارة الإعلامية بلمسات الترفيه التي تبقيك متسمرا أمام الشاشة ثم تغادرها وكأنك خرجت للتو من قاعة السينما لتعود إلى حياتك العادية.
حادثة ألمانيا قد تكون فاصلة بين حقبتين؛ فالحوادث الإرهابية في الشرق الأوسط في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين كانت مدفوعة في المقام الأول بأيديولوجيات علمانية وقومية ويسارية، تصدرتها الحركات القومية الفلسطينية، مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وكانت غالبا تستهدف النفوذ الغربي والوجود الإسرائيلي، مثل السفارات وشركات الطيران والمنشآت العسكرية، إضافة إلى الدول المعتدلة مثل دول الخليج كما حدث من خطف الطائرات، واحتجاز وزراء النفط ومن بينهم وزير النفط السعودي إذ ذاك أحمد زكي يماني. إنها عمليات خطف وتفجير واغتيالات تستهدف الإقليم، وأحيانا تتمدد على نطاق أوسع مثل مذبحة أولمبياد ميونيخ.
عام 1979م تغير مشهد الشرق الأوسط بسقوط شاه إيران، وبداية الثورة الإسلامية التي أحيت طموحات الإسلام السياسي في الوصول إلى السلطة. رافق هذا الحدث الضخم اجتياح الاتحاد السوفيتي أفغانستان، مما حولها إلى ميدان منازلة بين الغرب والاتحاد السوفيتي، ضمن فصول الحرب الباردة. في حين كان الجهاد الأفغاني مبررا لشعب يريد طرد المحتل، فإنه أنتج بيئة داعمة لتفريخ جماعات وتنظيمات أرادت تصدير التجربة إلى أوطانها، وحللت لنفسها تكفير الحكام والأنظمة والشعوب، واتخاذ ذلك مبررا للعمليات الإرهابية ضد المسلمين وغيرهم.
لا يجب أن نندفع إلى مكان ولادة تنظيم القاعدة في أفغانستان بمعزل عن حادثة اغتيال الرئيس المصري محمد أنور السادات على يد جماعة الجهاد المصرية عام 1981م، وقد فر بعض رموزها إلى خارج مصر ووصلوا إلى أفغانستان وأسهموا بفاعلية في تشكيل تنظيم القاعدة مع أسامة بن لادن.
وكما فرّخت جماعة الإخوان المسلمين جماعات متطرفة تنتهج العنف لإحداث التغيير، فإن تنظيماً أنتج عدداً من التنظيمات والذئاب المنفردة كان أشدها وحشية تنظيم داعش الذي بدوره تفرع إلى مجموعات منتشرة جغرافيا. ربما كانت السمة البارزة للإرهاب الحديث استخدام العمليات الانتحارية، كما حدث في هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001م.
لقد تحول الإرهاب من الدوافع العلمانية والقومية اليسارية إلى التطرف الديني، وتوسعت أهدافه لتشمل استهداف المدنيين ودور العبادة الإسلامية.
أوجه المقارنة تشمل التكتيكات التي كانت أكثر وحشية وعشوائية، بما في ذلك التفجيرات الانتحارية، وحرق الضحايا أحياء كما حصل مع الكساسبة وقتل الآباء والأمهات، والمصلين والركع السجود بوحشية، وعلى عكس الإرهاب العلماني الذي لم يخرج عن الإقليم إلا قليلا، وسعّ الإرهاب المدفوع بالتطرف الديني نطاق الاستهداف ليشمل تقريبا مختلف القارات.
قيام علماني ملحد، سبق وأعلن نواياه العدوانية عبر حساباته على شبكات التواصل الاجتماعي، التي احتوت على الكثير من الكراهية للمجتمع والدولة الألمانية، والتحريض والتهديد والوعيد، بهذا العمل الإرهابي الجبان، يطرح تساؤلا حول ما إذا كانت حقبة الإرهاب العلماني ستطل برأسها من جديد؟