د. طارق بن محمد بن حزام
ما سُمِّيَ القلبُ قلبًا إلا لكثرة التقلب، فكيف بهذا القلب..
في غمار الحرب دونما درعٍ يحميه، تُعرض عليه الشبهات..
وفي الحديث الشريف عن النعمان بن بشير أنه قال: سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-: (إنَّ الحَلالَ بَيِّنٌ، وإنَّ الحَرامَ بَيِّنٌ، وبيْنَهُما مُشْتَبِهاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وعِرْضِهِ، ومَن وقَعَ في الشُّبُهاتِ وقَعَ في الحَرامِ، كالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أنْ يَرْتَعَ فِيهِ، ألا وإنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، ألا وإنَّ حِمَى اللهِ مَحارِمُهُ، ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذا صَلَحَتْ، صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وهي القَلْبُ) رواه مسلم.
إذًا كيف يُمكننا التعامل مع الشبهات الفكرية المعاصرة؟ إليكم بعض النصائحِ والإرشاداتِ:
- تعزيز اليقين بأصول الإسلام
ولما كان منشأ الفتن ضعفُ الإيمان؛ وَلَّيْنا وجهنا صوب قلوبنا ننزع عنها غرس الشكوك بربط القلب بالقرآن وتدبر آياته ودلالاته، وترميم جدرانه بعبادات القلوب وأعمالها، وتعليق النفس بخالقها.
- تكوين العقل الناقد.
عظمة هذا الدين وحامليه تفحص الحجج والبراهين والدلالات بعقل ناقد تُورَدُ عليه الشبهات فيُفكِّكها ويردّها إلى مصدرها، لا تمر عليه المغالطات مرور الكرام. ومما يساعد في تكوين هذا العقل أن يكون على دراية بطرق البحث العلمي وامتلاك مهاراته وأدواته، والقراءة في كتب آداب البحث والمناظرة وعلم الجدل فيميز المقبول من المردود، والسمين من الغث.
- التأصيل الشرعي
عليكمْ بطلبِ العِلمِ؛ فالعلمُ يُضِيءُ لكم الطريقَ، ويُبَصّرُكُمْ بما يُعرضُ عليكم من الفتنِ، وسبلَ السلامةِ منها، ويوصلكم إلى مرضاة ربِّكم وجنّتِهِ.
لا يستقيم بنيان معرفي دونما قاعدة معرفية بأصول الفنون الشرعية من عقيدة وفقه ومصطلح وعلوم لغة وقرآن. فهذا هو مرد الأمر كله، لا حراك بدونه ولا محاكمة لشبهة إلا وإليه المآل فنحن اليوم فى عصر التخصص يقول ابن حجر العسقلاني: «إذا تكلّم المرء في غير فنّه أتى بالعجائب».
- تحديد مصادر التلقي والمعرفة والموقف من كل مصدر، فبين العقل والنقل اصطنعوا لنا المصادمات فحارت عقولنا أيهما يُقدم أو يُؤخَّر، وكيف السبيل وأين المورد! فكيف تكون هذه الحَيرة ومصادرنا غاية في الإحكام والاتزان، إذْ لا تعارض بين قَطْعِي عقل ونقل، فخالق العقل هو مُشرِّعُ النقل، والعقل الصريح لا يتعارض مع النقل الصحيح وإذا تعارض فنتهم عقولنا بعدم الفهم أو يكون الحديث غير صحيح.
- عدم التعرض لخطاب الشبهات من غير المتخصص.
الشُبَهُ خطَّافة والقلوب ضعيفة؛ فلا يكون لغير المُختص أن يحوم حول كتابات المُشكِّكين بُغية الثقافة العامة.
إيّاكُمْ والانقيادُ وراءَ العاطفةِ، وقيِّدوها بالشرعِ، ولا تستجيبوا لنداءاتِ أهلِ الباطلِ؛ فهي سمومٌ تَضربُ في سياجِ مجتمعكمْ لخرقِهِ وإغراقِهِ في أوحالِ الجاهليةِ.
- إيّاكم والأمورَ المحدثة، وعليكمْ بالتثبّتِ في النقلِ وعدم التّعجُّلِ.
- عندَ وجودِ الاختلافِ عليكمْ بلزومِ العلماءِ الربّانيينَ الأكابرِ، وإيّاكم وحدثاء الأسنانِ.
- احذروا الفتنَ، ولا تسعوا وراءَهَا، ولا تغترّوا بزخرفِها، وإيَّاكُم والاقتراب منها؛ فهي سمٌ زعافٌ مَنْ ذَاقَهُ لم يذُقْ طعمَ الثّبَاتِ ولا حسنَ المماتِ.
- احذروا من اتّباعِ الهوى فهو يُعمي البصرَ والبصيرةَ، ويوقعُ في الفتنةِ، وإذا أردتّم الحقّ فلا تأخذوهُ إلا مِن أهلِهِ.
- إيّاكم ومنازعةَ الشّرعِ، فهو سبيلُ هلكةٍ، وعليكمْ بالتثبّتِ في الأمورِ فعاقبتُها النجاةُ والفلاحُ.
- احذروا الفرقةَ فهي نقمةٌ، والزموا جماعةَ المسلمينَ فهي نعمةٌ، وعليكمْ بطاعةِ وليّ أمرِكمْ في المعروفِ، وتركِ منازعتِهِ والدُّعاءِ له.
- عليكمْ بالاعتدالِ في أمورِ دينِكم، واحذروا الغلُو والتشدّد والفكرَ المنحرِفِ؛ فهو دليلٌ على اعوجاجِ الطريقِ.
- إيَّاكم وأصحابَ الأهواءِ فهم شؤمٌ عليكم، ولا تُصاحبوا إلا ذو إيمانٍ وبصيرةٍ؛ فهم نِعْمَ الصُّحبةُ في زمنِ الوِحدةِ.
- الدعاء والابتهال
وأخوف ما نخاف عليه هو إيماننا، فليس أوجب من أن نسأل الله الثبات، ونستعيذه من أن يصرف قلوبنا عن دينه، ونسأله ما سأله إياه رسولنا صلى الله عليه وسلم: «يَا مُقَلِّب الْقُلُوب ثَبِّتْ قَلْبي عَلَى دِينك».. اللهم احفظ ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد، فقد حملا همّ الأمة الإسلامية، وخدما الدين والمقدسات ونصرا الإسلام والمسلمين.. اللهم وفقهما لما تحب وترضى، وأيّدهما بتأييدك، ووفقهما بتوفيقك، لكل ما فيه عز الإسلام والمسلمين، واكتب لهم الأجر والثواب.
** **
- باحث فى الأمن الفكري