د.محمد سليم
مرّت القارة الإفريقية بحقبة زمنية سوداء في العصر الحديث في عهد الاستعمار الجائر، حيث تكالبت عليها الدول الغربية بحثا عن موارد طبيعية واقتطاع أجزاء كبيرة منها بهدف إقامة مستعمراتها ما قد يضمن لها موارد طبيعية وفيرة إلى جانب توفير أيد عاملة للعبيد تعمل في مستعمراتها القائمة في بلاد نائية، فراجت سوق العبيد، ونشطت تجارة الرقيق في ظل الاستعمار الغاشم، على أن هذه الفترة القاتمة في التاريخ الحديث عُرفت بفترة «التدافع على إفريقيا»، حيث عقدت القوى الغربية مؤتمر برلين عام 1884م بهدف تقسيم الأراضي الإفريقية في مناطق نفوذ لها حتى لا تتعارض مصالح بعضها مع البعض الآخر، تجنبا للتقاتل، وتفاديا للصراع فيما بينها، ومن هنا سقطت المناطق الواقعة في شمال إفريقيا وجنوبها في أيدي فرنسا وإيطاليا وبريطانيا، بينما سيطرت ألمانيا والبرتغال وإسبانيا مناطق أخرى في القارة السمراء، في حين أن المناطق القائمة في إفريقيا الوسطى خضعت لسيطرة بلجيكيا.
والذي يبعث على الطرافة أكثر في مخطط تقسيم القارة بأكملها هو غياب الصوت الإفريقي في خضم ابتلاع القوى الغربية لبلد إفريقي إثر آخر، وضمها لمناطق نفوذ لها أحكمت بها سيطرتها، واستنزفت مواردها، وعليه فإن بقايا الاستعمار لا تفتأ تنخر في بعض البلاد الإفريقية، فالميليشيات المسلحة الموغلة في سياسات بعض الدول تعمل على إضعافها، وإرهاقها، وإسقاط هيبتها وسيادة القانون بها، ما يقوّض جهود المناضلين للاستقلال من براثن الاستعمار.
ومن المدهش حقا أن نرى إيجاد الميليشيات وتسليحها يأتي في وقت تسعى فيه الدول في القارات الأخرى إلى إيجاد جيش وطني له مؤسساته وأذرعه يخضع كليا لسيادة تلك الدول فيعمل على حمايته، وتأمين مصالحه، بدلا من الاقتتال الداخلي وتصفية الحسابات وفقا لإملاءات الدول الخارجية. ولعل في ذلك ما يشير إلى الفرق القائم بين تقدم بعض الدول في ظل الاستقرار والأمن وتخلف بعضها جراء الاقتتال والمحاصصة الداخلية، الأمر الذي يحدث في بعض الدول الإفريقية، التي بالرغم من امتلاكها موارد طبيعية وبشرية هائلة، والأيدي العاملة الفتية إلا أنها تقع ضحية للتدخل الغربي الذي بدأ يرفع رأسه مرة أخرى لإيجاد مواقع نفوذ له مرة أخرى في القارة السمراء.
وفي السنوات القليلة الماضية تسارعت وتيرة الأحداث بالنسبة للدول الإفريقية، فتعرضت للتدخلات الأجنبية من جديد تسعى لبسط نفوذها وإيجاد موطئ قدم لها، ومن هنا نرى دولا غربية مثل فرنسا وأمريكا وحتى روسيا تبدو مستميتة في كسب تحالفات استراتيجية معها حتى تتمكن من الاستفادة من مواقعها الجغرافية الاستراتيجية والموارد الطبيعية من المعادن والنفط وغيرها المتوفرة لديها، الأمر الذي يُفضى إلى الاقتتال الداخلي في العديد من الدول الإفريقية كالصومال، وليبيا، والسودان، والكونغو وغيرها. هذا، وقد دخلت القوى الاقتصادية غير الغربية مثل الصين والهند وغيرهما في حلبة التنافس العالمي الجديد في القارة السمراء للانتفاع بما لديها من موارد طبيعية وخلق فرص اقتصادية لتلك الدول، إلى جانب تأمين الطرق البحرية التي تمر بها السفن محملة بالبضائع والمنتوجات، وفي الإطار ذاته أقامت العديد من الدول قواعد عسكرية لها بالمنطقة، ما قد يحمل في ثناياه أبعادا جيو استراتيجية لها تداعياتها على دول المنطقة، ونظرا لهذه النشاطات الدولية بها، والتنافس المحموم إزاءها لا نتمالك إلا أن نتفكر ونتساءل: هل التاريخ يُعيد نفسه، أم ظهور القوى الاقتصادية غير الغربية على الساحة قد يقلّب موازين القوى لصالح الدول الإفريقية؟
** **
- (باحث وأكاديمي هندي)