محمد سليمان العنقري
قبل دخوله البيت الأبيض بعد نحو ثلاثة أسابيع ليباشر مهامه بولايته الرئاسية الثانية، بدأ الرئيس ترامب إطلاق تهديدات بفرض رسوم على أهم شركاء أمريكا في أوروبا والصين وجيرانه كندا والمكسيك لأسباب مختلفة مستغلاً ضخامة حجم تجارة هذه الدول مع بلاده، فأوروبا تصدر لأمريكا بما يصل إلى 500 مليار دولار سنوياً، والصين تتجاوز صادراتها للسوق الأمريكي 600 مليار دولار، بينما جل تجارة كندا والمكسيك هي مع أمريكا؛ وهذا ما يجعل لسياسة فرض الرسوم تأثيراً بالغاً على تلك الدول، بل وعلى الاقتصاد العالمي الذي يعاني من ضغوط تضخمية ومعدلات نمو ضعيفة، بعد صدمات جائحة كورونا والحرب الروسية – الأوكرانية، كما هدد دول بريكس برسوم كبيرة إذا قلصوا من استخدام الدولار في تعاملاتهم التجارية.
وإذا كانت أول رسوم هدد بفرضها على جارتيه المكسيك وكندا؛ بسبب اتهامه لهم بعدم التشدد في مراقبة الحدود للحد من الهجرة غير الشرعية لأمريكا، إضافة لاتهامه الصين أيضاً بعدم أخذ تدابير عالية المستوى تحد من دخول بعض الممنوعات لبلاده، مما يعتبر تهديداً مشروطاً أي في حال حل هذه الإشكاليات فلن تفرض الرسوم، إلا أن أخطر تهديد أطلقه مؤخراً كان ضد أهم حلفاء أمريكا الاتحاد الأوروبي، مطالباً بزيادة استيراد النفط والغاز الأمريكي لتقليص حجم العجز بالميزان التجاري معهم البالغ 131 مليار دولار، فصادرات الكتلة الأوروبية لأمريكا تمثل 20 بالمائة تقريباً من حجم تجارتها الدولية، وهو ما يعد تدخلاً مبالغاً فيه في أسلوب فرض نمط غير تنافسي بالعلاقات التجارية وبشكل قسري بين حليفين تقليديين، فحرية الأسواق والتنافسية الدولية تحتم استقلالية قرار كل دولة أو كيان باختيار مصدر السلعة أو المنتج الذي يلبي توجهاتهم باستدامة توفيرها، وكذلك معدل السعر الذي يحقق منفعة أكبر لهم، كما أن ما يسعى له الرئيس ترامب على ما يبدو هو أن يضمن سوقاً للنفط والغاز الأمريكيين بعد أن يغير من نهج سياسة بلاده من التوقف عن زيادة إنتاج الوقود الأحفوري إلى التوسع به، وهو بذلك يريد أن يحقق نجاحاً مضموناً للمنتجين الأمريكيين ويكسب تأييدهم له، ويظهر أنه ناجح بدعم اقتصاد بلاده، فهذه الصناعة يرتبط بها مئات الآلاف من الأمريكيين من خلال الشركات المنتجة وكذلك شركات المقاولات والخدمات التي تعمل بهذا القطاع الحيوي.
الأوروبيون سبق أن اشتكوا من ارتفاع سعر الغاز الأمريكي بما يصل لأربعة أضعاف سعره داخل أمريكا بعد أن توقفوا عن استيراده من روسيا بسبب العقوبات التي فرضوها عليها بسبب حربها على أوكرانيا، فعوضوا تلك الكميات بنسبة كبيرة من أمريكا وإذا ما اضطروا إلى مجاراة تهديدات ترامب وزادوا من استيراد النفط والغاز من أمريكا على حساب مصادر أخرى من دول الشرق الأوسط الأقرب لهم، فهذا يعني بالضرورة ارتفاع تكاليف الإنتاج لديهم وهو ما يجعل التضخم مرتفعاً بأوروبا، إضافة لضعف تنافسية منتجاتهم عالمياً أي أن أوروبا سيزداد عمق مشاكلها الاقتصادية، وبالمقابل فإن عدم امتثالها لتهديدات ترامب سيؤثر على نمو اقتصاداتها ويحيل العديد من شركاتها التي تصدر لأمريكا بنسبة كبيرة من حجم أسواقها إلى تراجع بالإيرادات، وستضطر إلى تقليص نفقاتها ومن بينها تخفيض القوى العاملة، وهو ما سيرفع من معدلات البطالة ويضيف أعباء جديدة على اقتصادهم.
من الواضح أن فترة رئاسة ترامب ستتميز بسياسة «كسر العظم» التي ذكرتها بمقال سابق؛ ظناً منه أن ذلك يحمي اقتصاد بلاده والحفاظ على قوة الدولار والحفاظ على أهميته دولياً، لكنها أيضاً سياسة قد تفضي إلى ارتفاع تكاليف المعيشة بأمريكا وزيادة التضخم، وهو ما يعد تحدياً كبيراً لسياسات الفيدرالي الأمريكي وإفشال لكل ما أخذ من إجراءات للجم التضخم، كما أن هذه السياسات ستشجع الدول على تطوير أسواقها الداخلية لترفع من تأثيرها بالناتج الإجمالي، إضافة للبحث عن أسواق بديلة عن السوق الأمريكي وكذلك إقرار سياسات مماثلة ضد المنتج الأمريكي، وهو ما يعني أثراً بالغاً جداً على الاقتصاد العالمي؛ مما يعني استحالة تطبيق كل ما هدد به؛ لأن ذلك سيرتد بالضرر على أمريكا قبل غيرها أي أنه سيحاول استخدام الرسوم للتفاوض وتحقيق بعض المكاسب وليس لجعلها دائمة.