خالد بن حمد المالك
لم تكن إسرائيل مرتاحة لزوال بشار الأسد من حكم سوريا، فقد شكَّل غيابه -على ما يبدو- الخوف الإسرائيلي من المستجدات التي قد تقلق العدو الإسرائيلي وتربكه مع قيام نظام جديد له سياسته غير تلك السياسة المهادنة من بشار الأسد.
* *
ولم يكن لخوف إسرائيل، وتعاملها مع النظام الجديد ما يبرره، فلم يصدر من العهد الجديد نوايا أو تصريحات تهدِّد أمن إسرائيل، أو تطالب بانسحابها من الأراضي السورية المحتلة عام 1967م، بل ولم تكن الثورة في وضع يسمح لها بذلك.
* *
غير أن إسرائيل لا تحتاج إلى تبرير، أو ظهور أسباب لتمارس عدوانها، فهي هكذا مع جيرانها، وتاريخها منذ ولادتها يحمل من الأدلة ما يؤكد على أنها دولة ولدت بالتبني من الغرب ليكون هذا دورها المشبوه في زعزعة الاستقرار في المنطقة.
* *
وما يثير الانتباه، ويعزِّز هذا الانطباع عن دورها، حماية أمريكا والغرب لها ضد أي إدانات، والدفاع عنها في مجلس الأمن والأمم المتحدة والمحاكم الدولية والجنائية، بل وغضّ الطرف عن أي عدوان تقوم به، حتى ولو كانت حروبها حروب إبادة جماعية كما كان ذلك في حربها في قطاع غزة.
* *
استقبلت تل أبيب التغيّر في سوريا بانزعاج كبير، بدليل عدوانها المتواصل على سوريا، دون أن يكون ذلك رداً لتعرض إسرائيل لهجوم من الأراضي السورية، أو حتى بسبب تصريحات تحمل نوايا العهد الجديد ضد من تحتل الأراضي السورية، غير أن إسرائيل لا تحتاج إلى ذلك كي تقوم بعدوان واسع النطاق ضد سوريا بعد سقوط بشار الأسد.
* *
تقول إسرائيل إنها قضت على أكثر من 80 % من قدرات الجيش السوري ، بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوي، والطائرات الحربية، والمروحيات، والقواعد العسكرية بما فيها من أسلحة ثقيلة وعتاد مهم، وتبريرها الوحيد لهذا العدوان حتى لا تقع في أيدٍ معادية لها، وتقصد بذلك النظام الجديد.
* *
مئات الطلعات الهجومية المتزامنة والمتواصلة استخدمتها تل أبيب للقضاء على قدرات الجيش السوري، مستغلةً الفترة الانتقالية، وهروب قادة الجيش، والكثير من عناصره، لممارسة هذا العدوان، أمام صمت العالم، إن لم نقل أمام الضوء الأخضر منه لقيام إسرائيل بما قامت به من عدوان.
* *
وإسرائيل التي لم تصل إليها طلقة واحدة من سوريا منذ عام 1967م تاريخ الاحتلال الإسرائيلي لأراضٍ سورية، سواء في عهد حافظ الأسد، أو ابنه بشار الأسد، أصابها الذعر والخوف والتوجس من أن تكون سياسة العهد الجديد غير تلك السياسة (غير الأسدية) التي استسلمت، وفرَّطت بالحقوق السورية، وتفرَّغت لإيذاء المواطنين.
* *
ولم تكتف إسرائيل بالضربات ضد مقومات الجيش السوري، وإنما واصلت احتلال المزيد من الأراضي السورية في درعا وقمة جبل الشيخ وغيرها مما تراه في توغلها ضرورة لأمنها، وتصدياً لأي إخلال بأمنها بما فيها المنطقة العازلة، وفق تفهم وتفاهم (ربما!) مع أمريكا وبعض دول أوروبا.
* *
وإن ما حدث من تفريغ لما كان لدى الجيش السوري من معدات وأسلحة عسكرية، يدخل ضمن التحديات التي سوف يواجهها النظام الجديد، خاصة وهو أمام بناء جيش جديد، يكون ولاؤه للوطن، لا للرئيس، ولا لحزب الرئيس، ما يجعل من العدوان الإسرائيلي عملاً الهدف منه جعل الجيش السوري في حالة ضعف حين يحتاج إلى الدفاع عن وحدة أراضيه أمام أطماع الدول المهيمنة على مواقع من الأراضي السورية.
* *
وللتغلب على هذا التحدي، جاز للشعب السوري أن يطالب النظام الجديد من الآن بوحدة الكلمة والتضامن بين جميع فئات الشعب، والقوى الفاعلة فيه، وإشراكها في إدارة شؤون الدولة، دون تهميش لأي فئة، أو إقصاء لأي مكوِّن، فكل الأديان والمذاهب والقوميات، شركاء في تحمُّل المسؤولية بعيداً عن النزاعات والخلافات والصراعات بين الجميع.