د. أحمد محمد القزعل
يشير مفهوم صناعة الجمال إلى القدرة على تحويل الأفكار والمشاعر والبيئات إلى صور وأشكال تُبهج النفس وتلهم الروح، حيث يتجاوز مفهوم الجمال مجرد الجاذبية البصرية ليشمل الجمال الروحي والأخلاقي والفكري، وصناعة الجمال تعني إنشاء تجارب وأشياء تُعزز من جودة الحياة وتزيد من شعور الإنسان بالسلام الداخلي والسعادة.
تتطلب صناعة الجمال خيالاً خصباً وقدرة على رؤية الأشياء من منظور جديد والانتباه للتفاصيل الدقيقة وفهم الثقافات المختلفة والفنون وتفعيل وتعميق القيم الأخلاقية النبيلة حيث لا يكون الجمال في المظهر فقط، بل أيضاً في السلوك والتعامل مما يساهم في إبراز الجمال الكامن في الأشياء كلها.
ومن أبرز صفات الجمال التربوي الإنساني: الصدق والرحمة حيث يعكس الصدق أصالة الفرد واستقامته، وتعد الرحمة والتعاطف مع الآخرين مظهراً من مظاهر الجمال الروحي والأخلاقي، ولإبراز ملامح الجمال التربوي الإنساني لابد من احترام الآخرين وتقديرهم بغض النظر عن اختلافاتهم، مع ضرورة التوازن في التصرفات والأقوال الأمر الذي يعكس جمالاً في الشخصية ويجعل الإنسان أكثر تأثيراً وإيجابية في مجتمعه.
ونشير هنا إلى الجمال التربوي في الإسلام الذي يمكن صنعه وإيجاده والسعي إليه أي الجمال الكسبي، وقد يقصد به الزينة التي تعني اهتمام بالإنسان بجسمه وسلوكه ومسكنه ولباسه، ويقصد به من جهة أخرى تربية النفس على القيم الجميلة والنبيلة وتعزيز أخلاق الفرد وجعله يتصرف بطريقة راقية ومتحضرة، وما يتضمنه ذلك من تهذيب النفس وتزيينها بالفضائل كالصبر والصدق والإحسان والتسامح، والإسلام هو الدين الذي جعل من قضية الجمال أمراً دينياً فمنح للجمال مكانته، وجعله ضمن الواجبات التي يجب على المسلم أن يسعى في سبيل تحقيقها، فالقرآن الكريم يستنكر فعل أولئك الذين يحرمون اتخاذ الإنسان للزينة، قال سبحانه: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، (سورة الأعراف: 32).
كذلك فإن الله تعالى يحب أن يرى جمال الأخلاق والأعمال في عباده، فالتربية الإسلامية تسعى إلى غرس قيم الجمال في الفرد بحيث يعكس سلوكه وأخلاقه جمال الدين الذي يعتنقه، فالجمال الحقيقي في الإسلام هو جمال القلب والعمل الصالح، وليس الجمال الخارجي فقط، قال - عليه الصلاة والسلام -: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) «رواه مسلم»
ومن نافلة القول: فإن الجمال ليس مجرد صفة خارجية بل هو قيمة عميقة تعكس نقاء الروح وسمو الأخلاق، والتربية على الجمال هي مسؤولية أساسية لبناء شخصية متوازنة ومجتمع متناغم، ومن خلال فهمنا العميق لمفهوم الجمال يمكننا أن نصنع عالماً أفضل حيث يُقدر الجمال في كل أبعاده وينعكس في تطبيقاته على سلوكياتنا اليومية وطرق تعاملنا مع الآخرين.