سهوب بغدادي
فتاة في مقتبل العمر ذهبت إلى بلاد الابتعاث لنهل العلم، كانت تتقن لغة أهل البلد بحسب ما تعلمت في المدارس طوال حياتها، في بادئ الأمر، لم تواجه أي صعوبات سوى تلك البديهية والمتوقعة، كالصدمة الثقافية والتعود على عدم تواجد الأهل والأصدقاء وسبل الراحة التي كانت تنعم بها، مع مرور السنوات، أصبحت الفتاة ترى العالم بمنظور آخر، وأبسط شيء تلك اللغة التي كانت تتقنها، إذ علمت أن ذلك الإتقان ليس إلا معرفة أكاديمية تطبق في إطارات محدودة، وبدأت في فهم اللغة السائدة «الحقيقية» وما يقال وما لا يقال بين السطور في جنبات الحديث مع الزملاء ومقدمي الخدمات، فليست كل كلمة ترافقت مع ابتسامة «ثناء»، من هنا، بدأت تعي أنها ضيف ثقيل، وأن المكان ليس بمكانها، الفيصل في بداية القصة وخاتمتها معيار واحد ألا وهو «المعرفة»، حينما فهمت الفتاة أكثر مما كان متوقعًا منها بما يتسق مع مظهرها وثقافتها وبيئتها في أعين الغير، في المقابل، إنها ليست دعوة للجهل أو عدم البحث عن المعرفة والاستزادة منها، بل مجرد إلقاء للضوء على تلك المفارقة العجيبة بين «جحيم الوعي ونعيم الجهل» أو ما يطلق عليه «لعنة المعرفة» The curse of knowledge ، إذ تعرف بأنها مفهوم نفسي وفلسفي يدل على الصعوبة التي يواجهها شخص عندما يكون لديه معرفة عميقة بشيء، مما يؤدي إلى صعوبات عديدة كالتفاعل مع الآخرين، وقد يجد الشخص العارف معاناةً في نقل ما يعرف وتبسيط المعلومات، إما بسبب عدم معرفة الشخص المقابل للموضوع بنفس القدر أو تواجد تفاصيل غير صالحة للمشاركة، بعيدًا عن القصة أعلاه، قد يختبر العديد من الأشخاص تلك الظاهرة كالعلماء والخبراء والأطباء وكل شخص متعمق في مجال أو علم ما، باعتبار بروز معياريّ التعود والتعمق في التفاصيل، كما لتلك الظاهرة النفسية تداعيات متعددة كصعوبة اتخاذ القرارات، والتحيز المعرفي، والتشويش الداخلي والخارجي، والعزلة، ولتخطي تلك الإشكالية أو التقليل من تأثيرها يجب على الشخص أن يبسط المعلومة ويقل من التفاصيل ولا يتشبث ويتعلق بها بنفس مقدار التعمق المعتاد، إضافة إلى التعاطف مع الآخرين والتواضع في إطار العلم والمعرفة، واضعًا نصب عينيه أن ما يعي ويعرف ليس إلا توفيق وهبة من الله وتكليف لا تشريف، وأهم نقطة تكمن في التواصل والانفتاح على نقل الإشكالية مع التركيز على نقاط رئيسة لطرحها.
«إن الحكمة الحقيقية الوحيدة هي معرفة أنك لا تعرف شيئًا» - سقراط