سارا القرني
لم تمض سوى أيام قليلة على الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد، وانفتحت أمام البلاد آفاق جديدة، لكن مع ذلك تبرز تحديات كبيرة تواجه المرحلة الانتقالية في سوريا، فبعد عقود من الحكم الاستبدادي، باتت سوريا أمام فرصة لبناء نظام سياسي جديد قائم على المشاركة والتعددية، لكن في الوقت نفسه تبرز مخاوف من انزلاق البلاد نحو الفوضى أو الصراعات الداخلية. من أبرز التحديات التي تواجه سوريا في هذه المرحلة الحساسة هو مصير الأكراد والمناطق التي يسيطرون عليها. فقوات سوريا الديمقراطية (قسد) بقيادة الأكراد قد نجحت في السيطرة على مساحات واسعة شرقي نهر الفرات، وباتت تطالب بمزيد من الحقوق والحكم الذاتي، وفي المقابل، تعارض تركيا بشدة أي مطالب كردية للانفصال أو الحكم الذاتي، خوفًا من انعكاس ذلك على أكراد تركيا.
وتزداد المخاوف من اندلاع صراع بين الأكراد والقوات الموالية للنظام السوري الجديد، الذي قد يرفض التنازلات للأكراد، خاصة في ظل الدعم التركي المستمر للمعارضة السورية، وهذا الصراع قد ينذر بتقسيم البلاد جغرافيًا وسياسيًا، ما يعرقل جهود إعادة الإعمار والتنمية في المرحلة المقبلة. كما تواجه سوريا تحديات أمنية كبيرة، حيث لا تزال جماعات إرهابية مثل تنظيم الدولة الإسلامية تشكل خطرًا على الأمن والاستقرار. وفي ظل الفراغ السياسي والأمني الناجم عن سقوط النظام السابق، قد تستغل هذه الجماعات الفوضى لتعزيز وجودها وانتشارها، وهذا الأمر قد يؤدي إلى تصاعد العنف والتطرف في البلاد. وعلى الصعيد الإقليمي والدولي، تبرز تحديات أخرى تتعلق بموقف القوى الإقليمية والدولية من المرحلة الانتقالية في سوريا، فتركيا -على سبيل المثال- تسعى إلى منع قيام كيان كردي على حدودها الجنوبية، وقد تتدخل عسكريًا لمنع ذلك، في المقابل الانسحاب الروسي في سوريا والذي في ظاهره الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، لكن هذا الانسحاب يصطدم مع طموحات الأكراد.
وفي ظل هذه التحديات المتشابكة، تبرز الحاجة الملحة إلى بناء توافق وطني شامل حول رؤية مستقبلية للبلاد. فالتوصل إلى تسوية سياسية بين مختلف الأطراف السورية، بما في ذلك الأكراد والمعارضة والقوى الداعمة للنظام السابق، أمر ضروري لتجنيب سوريا المزيد من الانقسام والصراع الداخلي.
وفي هذا الإطار، تلعب القوى الإقليمية والدولية دورًا محوريًا في دعم الجهود الرامية إلى إحلال السلام والاستقرار في سوريا، فالتنسيق والتعاون بين هذه القوى، بما في ذلك تركيا وروسيا والولايات المتحدة، قد يساهم في إيجاد حلول سياسية تراعي مصالح جميع الأطراف المعنية. تواجه سوريا في المرحلة الراهنة تحديات جسيمة على مختلف الأصعدة، تتطلب جهودًا وطنية وإقليمية ودولية متضافرة لتجاوزها، فالحفاظ على وحدة البلاد والنهوض بها اقتصاديًا واجتماعيًا يتطلب توافقًا سياسيًا شاملاً، بما يضمن مشاركة جميع مكونات الشعب السوري في بناء مستقبل البلاد. وهذا الأمر سيكون المفتاح الأساسي لتجنيب سوريا المزيد من الانهيار والصراع الداخلي.