اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
عنصر المفاجأة هو أحد مبادئ الحرب التي إذا ما نجح القائد في تطبيقها واستيفاء شروطها والتمييز بين مستوياتها استطاع التغلب على خصمه الذي انطلت عليه الخدعة، وأصبح في حيرة من أمره نتيجة لقدرة المهاجم على خلق الوسائل والأساليب النوعية غير المتوقعة والمباغتة الزمانية والمكانية مع حرمان الخصم من اتخاذ التدابير المضادة في الوقت المناسب.
والمفاجأة لها ثلاثة مستويات تتمثل في المستوى التكتيكي والعملياتي والإستراتيجي، والمستويان الأول والثاني يتحققان بإخفاء اتجاه الهجوم وزمانه ومكانه وحجم القوة المهاجمة وهدفها، في حين يتطلب المستوى الإستراتيجي إخفاء نية الهجوم والتطبيق الكامل للمستويين الأدنيين.
وتعتبر السرية والقدرة على الابتكار والشجاعة والسرعة في اتخاذ الخطط والمناورات الجسورة والمهارات العالية من أهم عناصر المفاجأة، علاوة على تفويت الفرصة على الخصم وحرمانه من القدرة على رد الفعل أو اتخاذ القرار السليم.
وفي ظل وجود أجهزة الاستطلاع المتطورة ومعدات الكشف والمراقبة الدقيقة والإنذار المبكر الحديث وأجهزة الاستشعار الحراري والأقمار الصناعية والتقنية بجميع أنماطها وأبعادها أصبحت المفاجأة بمستوياتها الثلاثة مطلباً عزيزاً يصعب تحقيقه ما لم يتم التطبيق الشامل والكامل لأساليب ووسائل المفاجأة الزمانية والمكانية واتخاذ التدابير اللازمة والإجراءات الصارمة لمواجهة الأعمال المضادة.
والواقع أن المفاجأة التي يتم التخطيط لها بعناية من أحد أطراف النزاع قمينٌ أن تطرح ثمارها بفضل التخطيط لها بمهارة من قبل الطرف المهاجم واستغلال غفلة الطرف الآخر وعدم قدرته على رد الفعل نتيجة لوقوعه في فخ الخداع الذي يمثل أساس المفاجأة، وقد قال الرسول- صلى الله عليه وسلم-: (الحرب خدعة) وقال المهلب بن أبي صفرة: عليكم بالمكيدة في الحرب فإنها أبلغ من النجدة، وقال أحد القادة: المفاجأة نصف النصر، وقد طبقها صن تزو بقوله: أطلق الصيحة جهة اليمين، ثم انقض بجيشك جهة اليسار،وقد قال ليدل هارت إن: أفضل وسائل تحقيق الخداع تكمن في اختيار سلوك لا يتوقعه العدو واستغلال الخطوط التي تقل فيها مقاومته.
والمفاجأة في بعدها الاستراتيجي نادراً ما تحققت في الحروب السابقة لصعوبة تطبيقها وضيق مجال تحقيقها، وعلى مستوى الصراع العربي الإسرائيلي فقد تحققت من حيث المفعول والنتائج للكيان الصهيوني في حرب عام 67م وتحققت للعرب في حرب عام 73م من خلال فرض الأمر الواقع بقوة السلاح، وهو أمر يؤكد بأن تحقيقها في حروب الحاضر والمستقبل يعتبر هدفاً صعب المنال، مما يستدعي من القادة على مختلف المستويات اتخاذ إجراءات مبتكرة ووسائل وأساليب غير متوقعة لكسر إرادة الخصم والسيطرة على قراره وتحجيم مساره.
وتكمن صعوبة الحصول على المفاجأة بأبعادها الثلاثة وبالتحديد البعد الإستراتيجي في تنوع الأسلحة وتطورها ودخول القوة الخامسة عليها من خلال عسكرة الفضاء، وما يمثله ذلك من أقمار مختلفة الأنواع والأشكال والمهام التي لا تفتأ تدور في مداراتها الفضائية وهي مدججة بالرؤوس الحربية والأسلحة الفتاكة، فضلا عما تحمله من وسائل ومعدات استطلاع واستشعار وتصوير فضائي بالأشعة تحت الحمراء وأشعة الليزر إلى درجة أن الكرة الأرضية تحولت إلى كتاب مفتوح.
ومهما يقف في طريق المفاجأة من عراقيل ومعوقات فإن مرونة وسرعة تحريك القوات العسكرية وما يتوفر لها من أسلحة نوعية وقوة نارية تجمع بين التقليدية وما فوق التقليدية والعمل السيبراني والطائرات المسيرة والصواريخ البالستية عندما يتم استخدامها ضمن عناصر المفاجأة ولزومياتها فإن ذلك يساعد على إمكانية تحقيق المفاجأة وخاصة في بعديها العملياتي والتكتيكي انطلاقا من الاستفادة من تقنية المراقبة الإلكترونية وأجهزة الاستشعار عالية الدقة والأقمار الصناعية، ومحاولة التعتيم على أجهزة ومعدات الخصم ومنعه من الاستفادة، والعمل المضاد مع الجمع بين الذكاء البشري والذكاء الاصطناعي والحرص على تطوير عمل الاستخبارات في جمع المعلومات وتحليلها.
وقد اتفق الخبراء العسكريون على أن المفاجأة أنجع وسيلة لضمان النصر لما لها من تأثير نفسي ومعنوي على الخصم بسبب عجزه عن المواجهة واختلال توازنه إلى الحد الذي قد يؤدي إلى انهياره وهزيمته من جراء مواجهته بوسائل غير تقليدية وأساليب غير عادية لم يضعها في حسبانه لعدم تقدير موقفه العسكري وسوء تصرفه السياسي.
والتأثير النفسي والمعنوي يترتب عليه رسم الطريق للمهاجم ويوفر له مساحة من السيطرة تُمكنه من كسب الحرب باعتبار المفاجأة تساهم في مضاعفة القوة من جهة وتعمل على تعويض النقص من جهة ثانية عن طريق الانتقال من مستوى إلى الذي يليه، وصولاً إلى المستوى الإستراتيجي الذي إذا ما تحقق حصل النجاح بأسرع وقت وأقل تكلفة.
والجانب النفسي من الحرب يمثل هدفاً من أهداف المفاجأة، ويلعب دوراً أساسياً في إدارة الصراع، وتحول هذا الجانب من وسيلة عرضية إلى أداء عسكرية ذات مفعول ومدلول لا تخطئه العين، وقد قال القائد الألماني روميل: إن القائد الناجح هو الذي يسيطر على عقول أعدائه قبل أبدانهم.
وبما أن الحرب أداة من أدوات السياسة فإن المفاجأة الإستراتيجية بالإضافة إلى هدفها العسكري تعتبر ذات أهداف سياسية تخدم الهدف النهائي للحرب بشقيه العسكري والسياسي.
وإذا كان الأمر يستدعي من قرع بابه وجذب أهدابه والشيء بالشيء يذكر فإنما حدث في الفترة الماضية بين إيران والكيان الصهيوني من صراع مسرحي جرى فيه استخدام المسيرات والصواريخ فتح الباب على مصراعيه لطرح الأسئلة حول طبيعة المواجهة وتصنيفها تبعاً لقواعد الاشتباك وأبعاد القتال وفنونه والميزان الذي توزن به أنواع الحروب ومستوى المفاجأة فيها.
والبعد الفضائي الذي هو أحد أبعاد القتال في الحرب الحديثة ودخول وسائل التقنية على أنواع الأسلحة لا يتعارض ذلك مع فنون القتال ومستوياته، ولا يلغي الحد الأدنى من المفاجأة وهو توقيت الهجوم.
وكسر هذه القاعدة في مسرحية هزلية وهالة إعلامية سرعان ما فقدت قيمتها وكشفت عن نقيصتها بعد زوال الغيوم وفشل الهجوم، وذلك نتيجة لغياب المفاجأة الذي يؤدي إلى فشل العمل العسكري مهما حاول الطرف المهاجم استغلال العوامل النفسية والسياسية.