رمضان جريدي العنزي
التكافل الاجتماعي فضيلة محمودة، وميزانه الإنساني ثقيل، وأجره عظيم، والمجتمع المتكافل يعتبر مجتمعاً صحياً راقياً وحضارياً تسوده المحبة والألفة والتضامن، يساند بعضه بعضاً، ويساعد بعضه البعض الآخر، والإسلام كرسالة سماوية دعاه إلى هذه الفضيلة والعمل على نشرها والعمل بها، دعماً لأواصر الإخوة والصلات الإنسانية، فرعاية المحتاج ومساعدة المسكين والأرملة وعلاج المريض وإغاثة الملهوف لا يقوم بها سوى أصحاب النفوس المهذبة، والصفات النبيلة، والأخلاق الحميدة، والتكافل الاجتماعي لا يكون في زاوية واحدة دون أخرى، ولا تقتصر على قضية واحدة فقط، كـ(الدية) مثلاً، بل في زوايا كثيرة وقضايا متعددة، فهناك من يعجز عن العلاج، ومن تراكمت عليه الديون، وهي مبالغ تعتبر تافهة قياساً بالملايين التي تجمع للديات، والتي تأخذ الوقت والجهد، وتستنزف المدخرات والأموال، ما أود قوله بأن هناك أفراداً وأسراً يحتاجون مبالغ قليلة، وفي الوقت نفسه يستحون تعففاً الإعلان عن حالتهم، وهؤلاء هم الذين يحتاجون لإصدار (ميثاق) حقيقي يصون كرامتهم ويسد حاجتهم دون هدر لكرامتهم، مثل (مواثيق) الديات والتي تصدر بين فينة وأخرى، ويجتمع لها الناس على كافة أطيافهم ويهتمون بها ويتناخون لها ويشحذون لها الهمم، وتتزاحم من أجلها الأكتاف والأصوات بغية الظهور والاستعراض والبذخ بالكلام، بالرغم من أنها تأكل الأخضر واليابس، وتنشف الجيوب، وتحرج الكثير من الناس.
إن للتكافل الاجتماعي أهمية بالغة أكثر أهمية من (الديات) كونه يرتقي بالمجتمع، ويساعد في رفع مستوى المعيشة، ويسد الحاجة، ويعزز الشعور بالسعادة، ويمنح الشعور بالرضا، والتكافل الاجتماعي من أهم القيم، ويعتبر أساساً لبناء المجتمعات القوية، وهو صمام الأمان، والنواة الصلبة، والركيزة المتينة، يُحسِّن جودة الحياة، ويعمل على استدامة الاقتصاد، ويعزز روح المشاركة والتعاون بين أفراد المجتمع، ويرتقي بالصحة النفسية، ويحقق السلام والأمان، والمحبة والوئام. إن التكافل الاجتماعي قيمة حضارية عظيمة، وكلما توسعت هذه القيمة الجليلة شعر المجتمع بالسعادة والرضا والأمان، والنصوص القرآنية الكريمة، والأحاديث الشريفة، في هذا المجال صريحة وواضحة وكثيرة، تخاطب الناس، وتذكرهم أن لهم إخواناً في العقيدة والدين يحتاجون إلى العون والمساعدة والأخذ بأيديهم، ليصبح المجتمع قوياً ثابتاً أمام التيارات والرياح، وبالتالي فإن المجتمع القوي المتماسك هو الذي يكون بين أفراده تعاون وتفاهم، ومودة ورحمة، ومن الضروري لبقائه وتماسكه أن يظل كذلك، وإلا عدت عليه عوادي الزمان، وهدمته نوازل الحياة، وأصبح عُرضةً للخراب والدمار. إنني أهيب بالإخوة المهتمين بـ(مواثيق الديات) أمورها وشؤونها، والعاملين عليها والمكرسين وقتهم وجهدهم لها أن يهتموا ويعملوا على مضاعفة الجهود في إحياء التكافل الاجتماعي والحث عليه والعمل وفقه ابتغاء وجه الله والدار الآخرة، وتحقيقاً للأهداف الإنسانية السامية من أجل الأخذ بالمجتمع نحو مدارات النقاء والبياض، والسلام والمحبة والوئام، والنهوض به بعيداً عن الإسراف في التنظير والإنشاء والكلام.