بدر بن عبدالمحسن المقحم
يعتبر يوم الأحد 7-6-1446هـ الموافق 8-12-2024م يوماً لا تنساه ذاكرة التاريخ السوري الحديث، حيث سقط حكم الأسد وسقط معه كل إرثه الأسود المليء بالقتل والتعذيب والتهجير والتدمير للشعب السوري العربي الأصيل بكل مكوناته الدينية والعرقية والمذهبية والقبلية، حيث صادر هذا النظام ماضي وحاضر هذا الشعب الأبي وسعى للقضاء على مستقبله، فخلال اثني عشر يوماً ودون أية مقاومة تُذكر انهار النظام وتخلى عنه حلفاؤه التقليديون وفي مقدمتهم إيران واستقبلت قوى المعارضة المسلحة بالأهازيج منذ أن انطلقت من محافظة إدلب وانتهت بالعاصمة دمشق، وقد تواكب هذا الزحف المسلَّح رسائل جاءت على لسان قائد هذه القوى - أحمد الشرع الذي أكد على الأمان للشعب السوري والمحافظة على مؤسسات الدولة وضمان استقرار ووحدة بلاده، وتوعَّد بالذين تلطّخت أياديهم بدماء شعبه بالحساب العادل. وبالنظر إلى أهمية سوريا من الناحية الإستراتيجية والجيوسياسية بالنسبة للمنطقة العربية بمشرقها المهم والحيوي والذي كان جاذب للغزاة والمحتلين ومحط أنظار القوى الكبرى قبل بزوغ الإسلام منذ أكثر من أربعة عشرة قرناً، فإن هذا البلد بعمق انتمائه العربي قد ترسّخ عندما انطلقت جحافل الجيوش الإسلامية من دمشق وغيرها لنشر رسالة نبي الأمة عليه الصلاة والسلام إلى أبعد نقطة ممكنه، واكتست سوريا بعد ذلك أهمية خاصة بحكم أنها تعتبر من المراكز الحيوية في بلاد الشام بسبب موقعها المتميز، ووفرة أسباب الحياة فيها، ووجود أراضيها على تخوم الدولة البيزنطية آنذاك ذات الشأن الكبير الطامعة فيها، ومع مرور الزمن خضعت سوريا للاستعمار الفرنسي في الفترة ما بين 1920م إلى 1964م، حيث تعاقب على حكمها عدة أنظمة حزبية من بينها حكم حزب البعث الذي تولى السلطة عام 1961م، حيث خرج من بين صفوفه حافظ الأسد عام 1971م وذلك بانقلاب عسكري ليحكم سوريا مجدداً حتى وفاته عام 2000م ثم تبعه ابنه المخلوع واستمر حتى يوم سقوطه الذي سقطت معه حقبة دموية سادت تاريخ سوريا المليء بالانتهاكات والإبادة الجماعية جراء أساليب قمع النظام واقترافه جرائم بحق الملايين من الشعب السوري من قتلى ومسجونين ومفقودين ومعاقين بالإضافة إلى المهجرين خارج وطنهم الأصلي، وفي هذه الأثناء صدر عن وزارة الخارجية السعودية بيان أقتبس منه (تابعت المملكة العربية السعودية التطورات المتسارعة في سوريا الشقيقة، وتعرب المملكة عن ارتياحها للخطوات اإيجابية التي تم اتخاذها لتأمين سلامة الشعب السوري الشقيق وحقن الدماء والحفاظ على مؤسسات الدولة السورية ومقدراتها وإذ تؤكد المملكة وقوفها إلى جانب الشعب السوري الشقيق وخياراته في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ سوريا لتدعو إلى تضافر الجهود للحفاظ على وحدة سوريا وتلاحم شعبها، بما يحميها - بحول الله- من الانزلاق نحو الفوضى والانقسام، وتؤكد المملكة دعمها لكل ما من شأنه تحقيق أمن سوريا الشقيقة واستقرارها بما يصون سيادتها واستقلالها ووحدة أراضيها).
إن المتأمل لنص هذا البيان يجد أن المملكة وكما عهدها العالم وبالذات العالم العربي تقف مع الحق وفي خدمة الشعوب العربية وبالذات الشعب السوري الذي عانى الكثير من القهر والظلم والتعذيب في ظل هذا النظام الغاشم، وأن المملكة في صف هذا الشعب وما يطمح إليه من استقرار ووحدة لأراضيه والتي لن تتأتى إلى بوحدة الصف وعدم الانزلاق في الفوضى الداخلية ورفض أية تدخلات في شؤون الداخلية، وتقديم العون له بما يحقق أهدافه المرجوة ويلبي طموحاته نحو البناء والتقدم وكما نص عليه باقي هذا البيان.
إن أمام سوريا الجديدة فرصة لاستثمار مواردها البشرية وإمكاناتها العلمية وثرواتها الطبيعية لتنمية الاقتصاد الوطني، والعمل يداً بيد بين مختلف أعراقها ومذاهبها الدينية لبناء سوريا المستقبل لتصبح، بعون لله، رافداً للأمة العربية وسداً منيعاً أمام التحديات المهدِّدة للأمن القومي العربي، ولعل من المهم التأكيد على الأخذ بالقرار الأممي رقم 2254 الصادر عام 2015م المتعلّق بالتسوية السياسية في سوريا لكسب دعم المجتمع الدولي، بالإضافة إلى النقاط التالية لضمان الحد المطلوب في تماسك المجتمع وعدم تصدع أركان الدولة وصلابتها وأن يبقى في بوتقة الحضن العربي حتى لا تنازعه أطراف أجنبية وتخرجه من عمقه العربي أو قوى تنال من عزيمته واستنزاف موارده الوطنية ومكتسباته التاريخية والعربية.
- توحيد الكلمة لما فيه خدمة سوريا بكل أطيافها وفئاتها وهذا يتطلب تغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الشخصية الضيقة.
- العمل المؤسسي في إدارة مرافق الدولة وفي وظائفها الأساسية.
- إعلاء مصالح الوطن على أي أجندات أجنبية، بل التصدي لها في الداخل السوري.
- تقديم الكفاءات دون النظر لأي اعتبارات طائفيه أو عرقية.
- تعزيز الصلات بين سوريا وأشقائها من الدول العربية والإسلامية على كافة الصعد لأن من شأن استقرار سوريا الجديدة بشقيه السياسي والأمني جذب استثمارات تلك الدول إليها على وجه الخصوص وغيرها من دول العالم على وجه العموم.
- الاستفادة من عبر الماضي ودروسه وأن يكون العدل وخدمة المواطن هو ديدن الحكم الجديد.