خالد بن حمد المالك
عندما يفجع الإنسان بمن كان ملء السمع والبصر، حاضراً في كل منشط، فاعلاً في كل إنجاز، أميناً على ما اؤتمن عليه، صادقاً ومخلصاً ومتفانياً في خدمة الوطن والمواطن، فلهذه الفجيعة مبررها، ولهذا الشعور بالأسى أسبابه، فكيف إذا كانت الفجيعة في فراق عبدالله العلي النعيم.
* *
يتوارى كثيرون عن الأنظار، ويختفون عن المشهد، ولا يأتي ذكرهم على ألسنة الناس، وربما لا يعرفون عن أنهم قد رحلوا، مع أنهم كانوا في مواقع وظيفية عالية، ومناطاً بهم مسؤوليات كبيرة، ولديهم من الصلاحيات ما لا حدود لها، غير أن مثل عبدالله النعيم، وقد تمتع بكل هذا، شخصية مختلفة، فقد ظلت تلاحقه الأضواء، ويتحدث الناس عنه، وعلى ألسنة الجميع، حتى وهو يتقاعد عن عمله، ويتقدَّم به العمر، ولم يعد في موقع ينفع به الناس، أو يقدِّم من خلاله خدمة لهم.
* *
كان (أبو علي) صاحب صوت جهوري، واضحاً فيما يقول، صريحاً فيما يؤمن به، على مبدأ ثابت في العدل في ممارسته وظيفته بين المواطنين، لا يهدأ من العمل، ولا يستكين من الحراك في سبيل أن يرى الرياض العاصمة في أجمل حله، وأحسن تنظيم، والمدينة الأولى في النظافة، معتمداً على مساندة ودعم وتعضيد وتشجيع أمير منطقة الرياض آنذاك؛ الملك سلمان بن عبدالعزيز.
* *
في فترة توليه أمانة مدينة الرياض، كانت الانطلاقة الكبرى، والتوسع غير المحدود للمدينة، وتحسين نمط العمران واشتراطاته الهندسية، يعاونه في تحقيق توجهاته الأمير سلمان آنذاك ووزير المواصلات المرحوم ناصر السلوم، حيث بناء الطرق الدائرية، والأنفاق والجسور التي تحولت معها الرياض إلى هذا الجمال الأخاذ.
* *
وفي فترته تم التعاقد لأول مرة في تاريخ المملكة مع شركة للنظافة، فتحولت المدينة من (مكبات) للنفايات، ومخلفات المنازل في بعض الأحياء إلى مدينة تتسم بالنظافة العالية، وتوصف بخلوها من المخلفات، وأنها ضمن أنظف مدن العالم، كما تم ضبط توزيع منح الأراضي للمستحقين بعدل وإنصاف والتزام بالأنظمة والتعليمات دون مجاملة أو محسوبية، وكان هو القدوة في ذلك، فلم يستغل منصبه في الاستحواذ على مساحات في المواقع المميزة، بل إنه لم يحصل من الدولة على أي منحة من أراضيها سواء بالرياض أو غيرها.
* *
ولم يكن عبدالله النعيم - رحمه الله - أميناً للرياض فقط، وإنما كان قبل تقاعده وحتى بعد تقاعده من الأمانة في مواصلة العمل خدمة للوطن، فكان رئيساً لشركة الغاز، ولمكتبة الملك فهد، وللمعهد العربي، ولمركز الملك سلمان الاجتماعي، وللجمعية الصالحية، وغيرها من الأعمال التي أسندت له، تقديراً لعطاءاته وقدراته وتفانيه وإخلاصه وشغفه في حب العمل وتفعيله على أحسن ما يجب أن يكون عليه.
* *
لقد مس الحزن كل من عرف عبدالله النعيم، أو اقترب منه، أو تعامل معه، على المستويين الشخصي والعمل، وكان (أبو علي) في مكانه العالي من التقدير على مستوى الدولة والمواطن، وما إن يذكر، إلا والألسن تذكره بالخير، وتتحدث عنه بما يستحقه من تقدير، وهو اليوم إذ غادرنا من الدنيا الفانية إلى دار الاستقرار، نسأل الله أن يرحمه ويغفر له وأن يكون من المبشّرين بالجنة، وأحسن الله عزاء أفراد أسرته الكريمة، وعظّم الله أجرهم في فقد كبيرهم الغالي، و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.