خالد بن حمد المالك
مع نجاح المعارضة في إسقاط بشار ونظامه، في غضون أيام قليلة جداً، وتسلّم الثوار السلطة في البلاد، والبدء في عملية الإصلاحات، وبينها عودة المهجّرين، وعودة الخدمات، والاستعداد لتغيير الدستور، والتوجه نحو انتخابات لا تقصي أحداً، كما صرح بذلك أكثر من مسؤول، وتشكيل حكومة مؤقتة لمدة ثلاثة شهور لإدارة الدولة السورية، كانت إسرائيل على الجانب الآخر تحاول أن تفسد هذا الإنجاز، وتضعفه، وتربكه، وتجعل النظام الجديد في شغل شاغل عن مسؤولياتهم.
* *
تمثَّل الموقف الإسرائيلي في قيامها بالعدوان اليومي المتكرِّر على القدرات والأماكن العسكرية، والقضاء على 80 % من الأسلحة السورية في البر والبحر والجو حتى الآن، بحيث يتسلّم النظام الجديد دولة بلا أي تسليح عسكري، مما تركه النظام السابق، بعد هزيمته أمام المعارضة محدودة الإمكانيات العسكرية، بما يفسر ما يقال بأن تعاوناً كان قائماً بين بشار الأسد وإسرائيل قبل القضاء على نظامه.
* *
التبرير الإسرائيلي البليد، أن لجوء تل أبيب إلى ضرب القواعد العسكرية والبوارج الحربية والأسلحة الأخرى من طائرات وغيرها كان لمنع وقوعها في أيدي النظام الجديد، وكأنه اعتراف منها بأنها لم تكن تخاف من استخدامها حين كان بشار الأسد على رأس السلطة، خاصة إذا علمنا أن إسرائيل منذ احتلالها للجولان السورية في العام 1967م لم تطلق سوريا رصاصة واحدة ضد إسرائيل، سواء في فترة حافظ الأسد أو بشار الأسد.
* *
إن تصرف إسرائيل لا يمكن فهمه بأكثر من أن مصالحها كان في استمرار الأسد رئيساً لسوريا، وأن أي تغيير لإدارة الدولة لا يخدم تل أبيب، ومن هنا جاء التعامل مع النظام الجديد على نحو ما فعله العدوان الإسرائيلي ضد النظام الجديد منذ اليوم الأول لهروب بشار الأسد إلى روسيا، ونجاح المعارضة في السيطرة على مقاليد الأمور في البلاد.
* *
يحدث كل هذا، مع أن أحمد الشرع، صرَّح بأن سوريا مع النظام الجديد سوف تتجنب الحروب، وأن التركيز سيكون على وحدة سوريا وإعمارها، وإصلاح ما أفسده النظام السابق على مدى أكثر من خمسين عاماً، بما في ذلك توفير الخدمات للمواطنين، وفتح صفحة جديدة مع الدول العربية والعالم، والتحضير للانتخابات، بعد تعديل الدستور.
* *
لكن إسرائيل التي تعيش منذ ولادتها على الأراضي الفلسطينية تظل خائفة ومذعورة، مع كل تغيير كبير في المنطقة، كما هي الآن مع ما جرى في سوريا، وهو خوف لا معنى ولا مبرر له، ويمكن التعافي منه من خلال خيار الدولتين، والموافقة على قرارات الشرعية الدولية بقيام دولة فلسطينية على حدود 1967م وعاصمتها القدس الشرقية، غير أن أطماعها تحول دون الموافقة على ذلك، بدليل أنها لم تحدد حدوداً لها، ما يعني أنها لا تكتفي بفلسطين فقط، والدليل احتلالها لأراض سورية وأخرى لبنانية، وهيمنتها على كل فلسطين.
* *
ومن المؤكد أن الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وجميع أعضاء الأمم المتحدة، يتحمّلون المسؤولية في تمرّد إسرائيل على القوانين الدولية، وعدم إذعانها لتطبيق القرارات ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، سواء ما صدر من الأمم المتحدة أو مجلس الأمن أو من المحاكم الجنائية، وكذلك استمرار عدوانها على جيرانها، وعلى المواطنين الفلسطينيين تحت الاحتلال، وآن الأوان لتصحيح هذا الوضع، ليكون هناك أمن واستقرار في المنطقة ودولها.