فضل بن سعد البوعينين
لحظة تاريخية شهدتها المملكة، بعد منحها حق تنظيم مونديال كأس العالم 2034 منفردة، ما يجعلها أول دولة تحصل على تنظيم هذا الحدث العالمي بصفة مستقلة، بوجود 48 منتخباً من مختلف قارات العالم.
لحظة تاريخية مليئة بالفخر والاعتزاز بمكانة المملكة، وتنافسيتها العالمية، وثقة المجتمع الدولي بها، وقدرة قيادتها على تنفيذ ما وعدوا به من إنجازات وبناء، وتنمية معززة لحضور المملكة عالمياً، وجعلها مقراً للقمم والمؤتمرات والمعارض، ما أهلها لاحتضان أكبر المنافسات الرياضية، وثقة المجتمع الدولي بها وبقيادتها وبمشروعها النهضوي غير المسبوق.
لم يكن فوز المملكة بالاستضافة وليد صدفة، أو حظ، بل جاء بتوفيق الله أولاً، ثم بتوجيهات خادم الحرمين الشريفين، وجهود سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي أطلق رؤية 2030 وحدد برامجها، ما ساهم في تحقيق أعظم تنمية في القرن الواحد والعشرين، ومنها التنمية الرياضية، ثم جهود سموه المباركة في الإشراف على ملف الترشح، والمشروع الرياضي الأكثر أهمية في تحقيق النمو والتطوير.
ونظرا لأهمية الحدث، والالتزامات التنموية المترتبة عليه خلال السنوات العشر القادمة، أعلن سمو ولي العهد عن تأسيس «الهيئة العليا لاستضافة كأس العالم 2034»؛ في ليلة الإعلان الرسمي عن فوز المملكة بالاستضافة، ما يؤكد النهج القيادي والإداري الفريد للتعامل مع المشروعات العالمية الضخمة.
الفوز بتنظيم المونديال ليس إلا بداية رحلة طويلة من العمل، ومرحلة جديدة من مراحل التنمية الاستثنائية المتوافقة مع متطلبات ومعايير الفيفا، وما تتطلع الدولة لتحقيقه. إنشاء مرجعية موحدة، برئاسة سمو ولي العهد، ستسهم في وضع الرؤية الشاملة لمشروعات المونديال، وتحقيق التكامل الأمثل بينها وبين المشروعات القائمة في المدن الحاضنة للمنافسات، والترويج للاستضافة وإبراز جهود المملكة في تنظيمها، وتمكين وتنفيذ الخطط والمبادرات والمشاريع، والتخطيط والإشراف، وتعزيز التخطيط المالي لجميع الأعمال، وهو الأهم، وتعظيم الأثر الاقتصادي والاجتماعي، وضمان تطبيق معايير الاستدامة، والتعامل مع مشروع الاستضافة وفق رؤية استراتيجية منضبطة وآليات معززة للإنجاز.
تتسابق الدول للفوز بتنظيم مونديال كأس العالم لأهداف مختلفة، ومنها الترويج للدولة المستضيفة، وإبراز مقوماتها الاقتصادية والتنموية والرياضية والثقافية، وإرثها الحضاري، وجاذبيتها السياحية، وبما ينعكس إيجاباً على حضورها العالمي، وتحفيز قطاعاتها الاقتصادية، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتعزيز النمو، واستدامته.
لتنظيم كأس العالم انعكاسات اقتصادية وتنموية وترويجية كثيرة، فبالإضافة إلى أهميته على المستوى الرياضي العالمي، فمن المتوقع أن يكون محفزاً للاقتصاد، ومعززاً للتنمية الشاملة، وتدفق الاستثمارات المحلية والأجنبية ومعززاً للنمو، وممكناً للقطاعات الاقتصادية المختلفة وفي مقدمها القطاع السياحي، التجاري، النقل والخدمات اللوجستية، وقطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة.
إضافة إلى أهميته في خلق الوظائف والفرص الاستثمارية الصغيرة والمتوسطة.
ومن المكاسب المهمة لكأس العالم، المكاسب الترويجية، والإعلامية، وهذا ما تحرص عليه المملكة لتغيير الصورة الذهنية النمطية التي صنعها الإعلام المعادي عن المملكة، وتسويق الفرص الاستثمارية التي تحتضنها، وتعزيز مكانتها على خارطة السياحة العالمية.
سيسهم كأس العالم في تسليط الضوء على المملكة بشكل كبير، وعلى مشروعاتها وتنميتها النوعية، وإرثها الحضاري والثقافي، وشعبها المحب والمضياف، وما تتمتع به من أمن واستقرار، ومحبة وازدهار.
من المهم النظر لعوائد كأس العالم من زوايا مختلفة، وأكثر شمولية، بدلاً من التركيز على معادلة الربح والخسارة المالية، فعوائد المونديال المستدامة، وغير المحسوسة تفوق في أثرها العوائد المالية المباشرة، وحجم الإنفاق الحكومي.
ومع أهمية حساب التكاليف الكلية، يبقى مونديال 2034 استثنائياً في المملكة، التي تعتبره جزءاً من مشروعها الأهم والأشمل، وهو تنفيذ مستهدفات رؤية 2030 التي شكلت مشروعاتها قاعدة الاستضافة الحقيقية.
فغالبية المشروعات التنموية ومشروعات البنى التحتية التي تعتبر جزءاً من متطلبات المونديال، إنما هي مشروعات بدأت الحكومة في تنفيذها قبل التفكير باستضافة كأس العالم من خلال مستهدفات رؤية 2030، بل إن عدداً من الملاعب التي سيتم إنشاؤها، تشكل جانباً رئيساً من منظومة بعض المشروعات الكبرى، كمشروع القدية، نيوم، ووسط جدة.
فما سيتم إنشاؤه كمتطلب من متطلبات كأس العالم ربما ارتبط بعدد محدود جداً من الملاعب الجديدة، أما الباقي فهو جزء رئيس من رؤية 2030 المباركة.
«أهلًا بالعالم» في السعودية لن تكون مرتبطة بالمونديال، بل ترحيب دائم بالسياح والمستثمرين والتدفقات الاستثمارية، خلال كأس العالم، وما بعده، وهو ما تستهدفه المملكة في رؤيتها الاستراتيجية بعيدة المدى، التي تركز على التنوع الاقتصادي والاستدامة والنمو.