د. محمد بن عبدالعزيز النافع
كنّا ننتظر وبكل اعتزاز وفخر يوم الثاني من ديسمبر الجاري لنكون على موعدٍ تاريخي ومحفل عالمي على أرض الوطن الحبيب حيث استضافت المملكة العربية السعودية في العاصمة الرياض مؤتمر الأطراف البالغ عددهم 197 طرفاً في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحّر COP16، والذي خُصّصَ بما صاحبه من منتديات عالمية، وحوارات تكاملية، وشراكات توافقية، ومبادرات استراتيجية تتّسق جميعا مع عالمية الحدث لطرح رؤى وحلول تتصدى لتحديات القرن الحادي والعشرين البيئية من خلال تعزيز الجهود التعاونية لاحترام البيئة ومكافحة التصحر فيها، وتشكيل آفاق جديدة باعتماد استراتيجيات جريئة وطويلة المدى لتبادل منافع الابتكار والتقدم والتكنولوجيا البيئية.
إنّ تتويج المملكة العربية السعودية باستضافة هذا المؤتمر الذي يعد أكبر اجتماع على الإطلاق لأطراف هذه الاتفاقية دليل واضح على مكانة المملكة عالمياً، وقوة تأثيرها المتسارع في مفاهيم البيئة وما يترتب عليها من تبعات الأمن الغذائي والمائي في ظل التغيرات المناخية التي طغت على كوكب الأرض، وقُدرتها المبهرة في الموازنة بين الكفاءة والفاعلية في مؤتمرات هذه الاتفاقية الأممية منذ انطلاقة عضويتها، مما أجبر الجميع على احترام هذا البلد العظيم واعتباره أبرز الأطراف المكافحة للتصحر، وما هذا المؤتمر إلا أدلّ شاهدٍ ينطق بالتميز والتفرد بمنتديات عالمية، ومبادرات جريئة في طرحها عظيمة في منافعها وعوائدها المرجوة منها، واتفاقيات تهدف إلى إدارة التأثير البشري على البيئة وحمايتها بالشكل الذي يُبنى عليه الأمل في تحقيق الاستقرار البيئي العالمي.
لقد أثبتت المملكة -وكلّنا فخر- أنّها قوّة أُولى بالمجتمع الدولي من واقع رؤيتها الثاقبة ورسالتها النافذة وأهدافها الأممية، ومدى مسؤولياتها من خلال مبادراتها المستديمة في حماية البشرية من المخاطر والأزمات التي لا تقتصر فقط على السياسية والاقتصادية والأمنية، بل تتعداها الى مبادرات في مجالات حماية البيئة والمحافظة على الموارد الطبيعية وحماية حقوق الأجيال القادمة. كل هذا عزّز الثقة بالمملكة وأهّلها بامتياز لتقود أطراف الاتفاقية في COP16.
وبنظرة عادلة منصفة في ختام فعاليات هذا المؤتمر الأممي فإنه لا بد من تسليط الضوء على جهود المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر التي صاحبت إقامة مؤتمر COP16، حيث تجلت الإنجازات في عناوين شامخة واستحقاقات راسخة بدأت بابتكار المنطقة الخضراء التي نجحت بدورها منصّة عالمية للتفاعل وتجربة فريدة مميزة لتعزيز الوعي البيئي، ومساحة خصبة لتسليط الضوء على الحلول البيئية المبتكرة، وتعزيز التعاون بين الكيانات الدولية والإقليمية والسعودية، حيث صُممت هذه المنطقة لتكملة المبادرات البيئية الجارية في المملكة، والتي في مقدمتها مبادرة السعودية الخضراء التي تقدم صورتها المتكاملة ومراحلها المؤدية بإذن الله إلى السعودية الخضراء.
يأتي الجهد العظيم للمركز بإقامة المعرض والمنتدى العالمي لتقنيات التشجير (في نسخته الثانية)، والذي يعدّ بوابةً لفتح آفاق وفرص بيئية واقتصادية ومعرفية، حيث جمع - كما خطّط له - الجهات الحكوميّة ذات العلاقة، ومؤسسات المجتمع المدني الفاعلة في مجال التشجير ودعم الابتكار، والشركات المحلية والعالمية المهتمة بقضايا البيئة والتغير المناخي ومكافحة التصحر لفتح فرص بيئية واقتصادية تمكن المملكة من الوصول إلى مستهدفات مبادرة السعودية الخضراء. وما فوز المركز بجائزة العمل التطوعي إلاّ تقديرا لإسهاماته في تعزيز المشاركة المجتمعية.
ويأتي تسجيل محطة التمريات في موسوعة «غينيس للأرقام القياسية» كأكبر محطة مستدامة في العالم انجازاً مشرفاً استحق عليه المركز ذلك التتويج البهيج. أما جودة التنظيم وروعة التخطيط وتميز التنفيذ في كل الاتجاهات فحديث يطول بالإشادة وراءه فرق عمل على قدر من الكفاءة والانتاج، عكست اسم المملكة ومكانتها على خارطة العالم. كل ذلك وغيره جاء بفضل الله أولاً ثم توجيهٍ مستمر واشراف مباشر بفكر استراتيجي وحنكة ادارية تواكب المرحلة لسعادة الرئيس التنفيذي للمركز الدكتور خالد بن عبدالله العبد القادر الذي اجاد قيادة فرق العمل، وسخر حكمته وخبرته في خدمة المركز، ووظف تخطيطه الحكيم في ادارة المناسبة والوصول بها الى أعلى درجات الجودة ونيل شواهد السمعة والاشادة والثناء من الخبراء وممثلي الدول المشاركة والمختصين الذين نقلوا المشهد على واقعه من خلال اتفاقهم على نجاح المحفل وانفراد الاهداف وتميز الانتاج.
وهنا نهنئ أنفسنا جميعاً بهذا السبق وبهذه النتائج المبهرة فقد كان المركز ومنسوبيه في الموعد وعلى مستوى الحدث وخير من عكس الصورة المثلى عن هذا الوطن العظيم ومكانته وقوته على مستوى العالم في كل المجالات.
أخيراً وليس آخراً، لنعلم ان استضافة الوطن لهذه التظاهرة البيئية العالمية لهو دليل أمثل على ترجيح كفّة المملكة العربية السعودية في موازين النماء والعطاء، ونحن جميعاً مسؤولون في أن نكون سنداً وعونا لوطننا في كل مجالات التنمية ومختلف ميادين التقدم. نمتلك ماضٍ مشرّف، ونعيش حاضراً مزدهراً، وننتظر مستقبلاً واعداً بإذن الله، فالمهم القوية تسير حتماً الى القمم بكل اعتبار واقتدار وانتصار.