عبدالله إبراهيم الكعيد
ربما يوحي عنوان حكاية اليوم بأنني سأتحدث عن المثالية، أو سأطالب بالسعي نحو الكمال في مناشط الحياة بصفة عامة، لكن لا هذا ولا ذاك، بل سأبدأ بالحكاية من نهايتها خلافا للمعتاد فلست ممن يُحبط البدايات فما بالكم بالنهايات. يقال: ما لا يُدرك كلّه لا يُترك جُلّه، أي إذا تعذّر حصول الأمر أو الأداء كاملاً لا يعني تركه بحجة العجز عن التمام.
صاحب كتاب «متعة عدم الكمال» ديمون زهاريادس يُشير إلى أن البعض إذا لم يتمكنوا من القيام بشيء ما بشكل مثالي فقد لا يفعلونه إطلاقا، فلو كان لديهم مهمة أو مشروع في أذهانهم ويعرفون النتيجة المرجوة لتحقيقها لكنهم غير واثقين من قدراتهم على القيام بالأمر دون ارتكاب أخطاء يتوقفون ربما حتى قبل أن يبدأوا.
أصحاب قاعدة «كل شيء أو لا شيء» لديهم ثقة بقدراتهم على تنفيذ المهام دون ارتكاب الأخطاء ومصدر هذه الثقة الموهومة أنهم على يقين بأن الخطأ غير متوقع الحدوث. لهذا كم من فكرة وئدتْ وكم من مشروع انتهى قبل أن يبدأ بسبب ذلك الوهم (التمام والكمال). ربما تأثر أصحاب هذه القاعدة بقول المتنبي:
إذا غامرتَ في شرف مَرومٍ
فلا تقنع بما دون النجومِ
لا يعني كلامي هذا بأنني أحث على الرضا بقبول الحدود الدنيا للأمور. أبداً فالسعي نحو الأفضل هدف ومطلب لكل طامح للتميز والنجاح، لكنني أستغرب عدم تقبّل نقصان الأشياء إذ حياة البشر بطبيعتها غير مكتملة. تبدأ من ولادة ضعيفة واهنة ثم تقوى مرحلة إثر مرحلة حتى تكتمل فتعود للضعف كما بدأت أول مرة.
السعي نحو الكمال يضع الفرد أمام تحديات قد تشق عليه فلا يستطيع الوصول إلى ذلك الهدف، كما كان يتصور، فيصاب بالإحباط واليأس وربما يدخل في نفق الاكتئاب المظلم.
ماذا لو أخذ ذاك الذي يعتقد بأن القناعة (بما دون النجوم) نقيصة. فإما النجوم أو لا داعي لخوض غمار تجربة قد تنجح بمقاييس مقبولة أو تخفق مما يتطلب إعادة المحاولة. أقول ماذا لو تقبّل النتائج غير المتوقعة بصدر رحب وتصميم على إعادة الكرّة مرة ومرات؟
قيل بأن المخترع الأمريكي توماس اديسون الذي أضاء العالم بـالمصباح الكهربائي (اللمبة) حاول «999» حتى نجح في المحاولة «1000» وأعلن للعالم اختراعه الهائل. على أية حال، كاتب هذه السطور وقد بلغ من العمر عتياً مُقتنع تمام الاقتناع بقبول الجزء المُتحقق بكل رضا كخطوة أولى، ثم السعي نحو تحقيق بقية الأجزاء.