أ.د.عثمان بن صالح العامر
لم تعد الرياضة عموماً، وكرة القدم على وجه الخصوص كما كانت في السابق، لا يهتم لها ولا يكترث بها سوى اللاعبين داخل المستطيل الأخضر، أو من هم في دكة الاحتياط، ومجلس إدارة النادي، وعدد من أعضاء الجمعية العمومية، والداعمين، والجمهور في المدرجات، بل صارت الرياضة اليوم من أهم مفردات القوى الناعمة إن لم تكن الأهم على الاطلاق، ولذا حظيت وما زالت تحظى بالدعم اللامحدود مادياً ومعنوياً من قبل السياسيين والاقتصاديين والإعلاميين والمنظرين والمفكرين والكتاب على حد سواء في جميع دول العالم بلا استثناء.
وفوز وطننا الغالي المملكة العربية السعودية باستضافة كأس العالم 2034 يعد إنجازاً تاريخياً وحدثاً مفصلياً في مسيرتنا الرياضية والحضارية، يعكس رؤية قيادتنا الحكيمة في تعزيز قوانا الناعمة في العصر الرقمي، ويبرهن ويدلل في ذات الوقت على مكانة المملكة العربية السعودية العالمية، وثقلها السياسي والاقتصادي والإنساني.
ولأن كلاً يقرأ هذا الحدث المفصلي في تاريخنا الوطني من زاوية اهتمامه، فالسياسي يهمه في النهاية أثر ذلك التجمع الرسمي والشعبي الدولي على موازين القوى العالمية، والاقتصادي يريد أن يتعزز الاستثمار الوطني، وتوجد الفرص الوظيفية، والإعلامي يتطلع شخصياً إلى حصوله على مواد ثرية بصورة حصرية تكسبه شهرة دولية، والمؤرخ يحاول أن يرصد الحركات والسكنات ليدونها في صفحات كتابه الذي سيصدره بهذه المناسبة، لذا فإنني – وأنا أدعي أنني أنتمي إلى فئة المثقفين - أجزم أن هذه المناسبة العالمية فرصة ذهبية لبناء أو حتى تعزيز الصورة الذهنية عن المسلمين عموماً والعرب خصوصاً والخليجيين على وجه أخص وبالأخص نحن السعوديين لدى الغربيين الذين زرع في عقول شريحة عريضة منهم صور مشوهة عنا، سواء أكان ذلك نتيجة انتمائنا للإسلام الذي هو في نظرهم العدو الحقيقي للحضارة الغربية، أو لأننا لسنا(عرقاً نقياً)، فالبداوة وحياة الصحراء متجذرة بنا حتى النخاع، ولن نستطيع الانفلات منها بحال، أو لكوننا بلد النفط وأرض الخيرات التي يشعرون أنهم أحق بها منا، فضلاً عن كوننا ننزع للإرهاب والتطرف وطبيعتنا العنف والوحشية وهمنا النساء والمال!، وفي الوقت ذاته هي كذلك فرصة مواتية لنشر ثقافتنا التي نعتز بها، نعرِّفهم بقيمنا وأخلاقياتنا ومبادئنا وأعرافنا التي غالباً إما أنهم لا يعرفون عنها شيئاً، أو أنها وصلت لهم مشوهة، وكان منا التقصير في إيصال الصورة الحقيقة عن هوية إنسان الوطن (من نحن؟ وماذا نملك؟ وإلى أي شيء نهدف في علاقتنا مع الآخر؟ وما هي القيم والمبادئ التي تحكمنا عندما نمد جسور التواصل مع الغير من تعارف وحوار وتسامح وتعاون وتكاتف؟).. سيتعرف الملايين من زوار المملكة في هذه المناسبة على إرث هذه الأرض المباركة المعطاء وموروثها الحضاري والتاريخي، والمخزون الثقافي العميق الذي تتميز به.
إن إعلان سيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد الأمين رئيس مجلس الوزراء عن تأسيس الهيئة العليا لاستضافة كأس العالم 2034، الأربعاء الماضي 11 ديسمبر 2024 وترؤسه شخصياً لهذه الهيئة هو في حد ذاته تأكيد على عزم بلادي العزيزة تقديم نسخة استثنائية تعكس شخصيتنا الوطنية، وتجسد الدعم والاهتمام غير المسبوق الذي تجده القطاعات التنموية في المملكة العربية السعودية عموماً والرياضي منها على وجه الخصوص من لدن مقام مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود أيده الله، وسيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد الأمين، رئيس مجلس الوزراء حفظه الله. إنني على يقين بأن استضافة المملكة العربية السعودية لبطولة كأس العالم 2034 لكرة القدم ستشكل خطوة استراتيجية نوعية في تعزيز وجودنا العالمي، وستُسهم مباشرةً في رفع مستوى «جودة الحياة» الذي يُعد أحد أبرز برامج رؤية السعودية 2030 التنفيذية، مما يجعل المملكة العربية السعودية قادم الأيام وجهة عالمية تنافسية في مجال السياحة الدولية والتواصل الحضاري، والجذب الثقافي، ودمت عزيزاً يا وطني، ودامت رايتنا خفاقة في المحافل الدولية، وإلى لقاء والسلام.