د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
إذا لم تُدَر الأرض بشكل جيد فلن يكون لدينا أمن غذائي، بهذه العبارة نبه مدير مبادرة الأراضي العالمية في مجموعة العشرين مورالي توماروكودي إلى مدى خطورة تدهور الأراضي، مشيرا إلى مبادرة الأراضي العالمية التي تم إطلاقها خلال رئاسة السعودية لمجموعة العشرين عام 2020 والهادفة إلى خفض تدهور الأراضي بنسبة 50 في المائة بحلول 2040، وفي هذا العام التزمت الدول باستعادة 1.1 مليار هكتار منها، أكدها مدير مبادرة الأراضي العالمية على هامش انعقاد مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر كوب 16 الذي أقيم في الرياض في 5/12/2024، شاركت فيه 197 دولة، وتتضمن أكثر من 150 خبيرا و67 فعالية جانبية، مما يشجع على اتخاذ خطوات تنسيق بين الدول من أجل تنفيذ المشاريع الكبيرة العابرة للحدود القائمة على البيئة لاستعادة الأراضي من أجل المستقبل، وعلى رأسها وجود أهمية كبيرة التزام بالموارد المالية من خلال نقل التكنولوجيا وتبادل الخبرات.
كثير من الدول تعتمد على الناتج المحلي الإجمالي كمعيار للتقدم، لكنها في بعض الأحيان لا تلتفت إلى تدهور البيئة التي تضمن الاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل، باعتبار أن الأرض تلعب دورا أساسيا في العديد من القطاعات الحيوية، فمثلا تعد الأراضي الرعوية مصدرا رئيسيا للثروة الحيوانية، ويعتمد الطب الحديث على 25 في المائة على المواد المستخلصة من الأرض، فاستخدام التقنيات الحديثة في إدارة الأراضي ضمان لاستدامة الاقتصاد من أجل تحقيق توازن بين التقدم الاقتصادي وحماية البيئة، وعند التقدم الاقتصادي لابد من الأخذ في الحسبان الحفاظ على البيئة، لأن النمو البئي المستدام هو الوحيد القابل للحياة اقتصاديا.
فالتصحر هو أحد أكبر التحديات البيئية التي تواجه كوكب الأرض، والتي تقدر تكاليفها الاقتصادية سنويا بنحو 355 مليار دولار سنويا بين 2025-2030 وفق ما ذكره الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر إبراهيم ثياو، وإذا لم تتخذ خطوات عاجلة فستتدهور 100 مليون هكتار من الأراضي سنويا، فيما التمويل الحالي لا يتجاوز 77 مليار دولار سنويا، لمعالجة قضايا مثل الأمن الغذائي، الذي قد يقود إلى انخفاض 50 في المائة في بعض المحاصيل في بعض المناطق بحلول 2050، وسيتضرر نحو ثلاثة مليارات إنسان، مما يدفع إلى ارتفاع أسعار الغذاء بنسبة 30 في المائة، فيما يواجه نصف إنتاج الحبوب العالمي ندرة شديدة في المياه، وتقدر تكاليف التصحر وتدهور الأراضي والجفاف بنحو 870 مليار دولار وهو ما يعادل 2 في المائة من الناتج الإجمالي للدول المتأثرة والاقتصاد العالمي، وحول العالم تقدر بنحو 6 تريليونات دولار، وفقا للتقارير الدولية، فضلا عن فقدان التنوع الاحيائي، وانبعاثات الغازات، مما تسبب في نزوح الملايين من البشر على مستوى العالم، وتتضرر المرونة المناخية، والإدارة المستدامة للأراضي بشكل فعال.
لذلك انطلق المؤتمر في الرياض كوب 16 نحو عالم خال من التصحر، الذي جمع صناع السياسات لمكافحة التصحر التي خرجت بمبادرات دولية، كانت أكبر قمة وأكثرها طموحا، تجسد اهتمام السعودية بالبيئة، بل هي قمة الطموح نحو استعادة الأراضي.
تعتبر مبادرتي السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر والأخيرة تعد إحدى المبادرات العابرة للحدود تعد نموذجا يحتذى به يمكن نقله إلى كثير من الدول لتعزيز التعاون الدولي في مجال استعادة الأراضي وحمايتها، وهادفتان إلى ترسيخ مفهوم الاستدامة البيئية على مستوى العالم، واستثماراتها كبيرة جدا، ولديها أكثر من80 مبادرة بحجم استثمارات تجاوزت 180 مليار دولار.
تمثل السعودية قدوة في الصمود بمواجهة التصحر والأزمات، وتؤكد منظمة الفاو على أهمية ما يعرف باسم ثالوث ريو وهي الاتفاقية التي تربط مؤتمرات الأطراف الثلاثة لحماية الأرض التابعة للأمم المتحدة في مجالات تغير المناخ، وحماية التنوع البيئي، ومكافحة التصحر، فهي غاية في الأهمية والتكامل، خصوصا وأن منطقة الشرق الأوسط 90 في المائة منها تعاني من الجفاف، لكن كثيرا من الدول نجحت في اتخاذ إجراءات لمواجهة الجفاف والتصحر وعلى رأسها السعودية.
لا يمكن فصل موضوع مناقشة النظم الغذائية عن موضوع مناقشة إعادة تأهيل الأراضي في تحسين السلاسل الغذائية وأنظمتها، وهو هدف أممي من أهداف التنمية المستدامة من أجل القضاء على الجوع، لذلك إبراز دور الغذاء والزراعة وتحول النظم بحيث تكون أكثر شمولا وكفاءة واستدامة، من أجل تحقيق ليس فقط القضاء على الجوع بل أيضا من أجل تحقيق إنتاج وتغذية أفضل لحياة أفضل وهو ما نجحت فيه السعودية في تحقيق هذا الهدف، وأصبحت الدولة الثانية في إنتاج الغذاء عربيا بعد مصر وقد تتفوق عليها في السنوات القادمة نتيجة الأساليب التي تتبعها في إنتاج الغذاء، رغم أنها لا تمتلك أنهارا كنهر النيل، لكنها أصبحت أكبر دولة منتجة للمياه المحلاة بنحو 18 في المائة من الإنتاج العالمي.
بدأ العالم يتنبه لمشكلة التصحر بعدما بدأ يجتاح مناطق لم تكن تعاني من التصحر في السابق على غرار جنوب أوروبا أو مناطق في أمريكا اللاتينية، وهذه الدول بدأت تلاحظ زحف التصحر، وانحسار الأراضي الزراعية أو الغابات بشكل مقلق، ما يعني أن التصحر لم يعد مشكلة تنحصر في الدول الذي تسود فيها الصحاري، بل امتد التصحر إلى دول أخرى، يحتاج إلى تضافر الجهود الدولية وتعزيز التعاون وتبادل الخبرات، وبشكل خاص التعلم من خبرات الدول التي واجهت التصحر على رأسها السعودية، واستثمار كوب 16 الذي يعقد في الرياض للاستفادة من تجارب السعودية في مواجهة التصحر، وكيف نجحت في خطة طموحة لمحاولة زراعة 50 مليار شجرة بالمنطقة العربية.
** **
- أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية سابقا بجامعة أم القرى