د. محمد عبدالله الخازم
كمحاولة للفهم وبعض من (المشاكسة) العلمية للأعزاء في هيئة التخصصات الصحية، أكتب عن القسم الطبي -مع الاعتذار لتكرار الكتابة في الموضوع- إثر إدراجه في حفلاتهم للتخرج. نتساءل عن فلسفتهم ومرجعيتهم في القسم الطبي، ولهم حق الاستعانة بكليات الطب السعودية التي تتبنى القسم الطبي لخريجيها؟
يعود القسم الطبي إلى أيبوقراط الذي عاش في القرن الخامس ق. م. بعض المصادر تشير إلى أنه ظهر بعد وفاته، وأخرى تنسبه إلى فيثاغورس. جاء القسم ليمثل استجابة دينية، لتحدي المعتقدات الإغريقية من قبل المسيحية. ومن مميزاته الولاء للمعلم للدرجة التي يفرض فيها على تلميذه مساعدته عندما تتعسر حالته المادية، كما أنه يمنح القوة للطبيب بما في ذلك ضمان الالتزام بأسرار المهنة الطبية وعدم إشاعتها للعامة، بما في ذلك منع معه كتابة اسم الدواء. هذا الاعتقاد بالتحديد ينسب إلى مدرسة فيثاغورس!
ومن الملاحظات كذلك في القسم الأصلي، تحريم إجراء العمليات الجراحية من قبل الطبيب، ربما لأن التلوث بالدم يخالف المعتقدات الدينية، حينها. هو يتركها لآخرين من خارج مدرسة فيثاغورس. وفي العصر الحديث ما زال الاعتبار كبيرا لقسم فيثاغورس، من ناحية جعل المريض محور العمل الطبي، حيث يقسم الطبيب على عمل ما في وسعه لخدمة المريض.
الجمعية الأمريكية الطبية - ومثلها البريطانية تبنت عام 1847م ـ (كودا) أخلاقيا طبيا جديدا بني على القسم القديم وأضيفت إليه فقرات تتعلق بمسؤوليات الطبيب تجاه المجتمع. طور هذا الكود جماعات من الأورثودوكس ونقحوه من الاعتقادات الإغريقية، بعد أن كان يتضمن القسم بالآلهة الإغريقية أبولو واخليوس وغيرهما. وهو ما استبدلته الديانات الأخرى لاحقا حسب معتقداتها.
وفي عام 1948م أصدرت منظمة الصحة العالمية بعد الحرب العالمية الثانية بيان جنيف لأخلاقيات الممارسة الطبية، وقد بني على قسم فيثاغورس/ ايبوقراط مع تنقيته من المرجعية الدينية الإغريقية، ومنذ ذلك الحين والقسم في لغته وشكله الجديد هو مرجعية قسم الأطباء. مع ملاحظة أنه ليست جميع الكليات الطبية تفرضه على طلابها عند التخرج.
ظل ذلك القسم يشكل الأساس، بعد تطويره ليتلاءم مع المرجعية الدينية والأيديولوجية لكل بلد أو ديانة. لعل هيئة التخصصات الصحية تقدم لنا إجابة، ما مرجعية القسم الذي تستخدمه؛ مرجعية وطنية/ عالمية/ دينية/ إلخ؟!
أبرز التغيرات التي كسرت مبادئ ايبوقراط حدثت بعد الحرب العالمية الثانية، حين كانت التساؤلات حول ممارسات الأطباء الألمان أثناء وبعد الحرب، فالقسم يفرض عدم الإضرار بالمريض، ولكن الأطباء مارسوا بعض أنواع البحث والتجارب على الأسرى ومصابي الحرب من الأعداء، وهي ممارسات تضر قطعا بالمريض. أدى ذلك إلى بيان نوريمبريج عام 1946م وصدور وثيقة أخلاقيات الممارسة الطبية التي تضمنت لأول مرة ضرورة إطلاع المريض على خطة علاجه، وأخذ موافقته عليها سواء كانت متعلقة بالبحث أو حتى بإجراء عملية بسيطة.
أعقب ذلك ظهور وثيقة حقوق المريض التي تبنتها منظمة المستشفيات الأمريكية عام 1973م، ثم مبادئ المنظمة الأمريكية الطبية للممارسة الطبية عام 1980م وفيها وضحت حقوق المريض. هذا لم يكن موجودا في القسم الطبي (قسم ايبوقراط)، بل الأهم في تلك المبادئ هو أنها بنيت على مواد قانونية وعلمية وليست دينية، وبالتالي يحتكم في تفاصيلها إلى المرجعية القانونية والمهنية بالدرجة الأساسية.
ومزيد من الأسئلة؛ عندما يأتي طبيب هندي أو أمريكي أو مصري للعمل في المملكة، ما المرجعية التي يعتمدها للممارسة الطبية؟ هل يمارس كل طبيب المهنة بناء على مرجعيته الأساسية دينية كانت أو اجتماعية أو تعليمية؟
ختاما، هل للقسم الطبي أثر في حياة الطبيب وممارسته الطبية؟