عبدالعزيز صالح الصالح
تعد كتابة الخواطر من الأمور الشيقة في حياة المرء، حيث إنها فن من فنون الأدب وتعبير عما يعتلج في النفس البشرية من أفكار وآراء وخواطر في مختلف شؤون الحياة، فهي عبارة عن كلمات موجزة ومشرقة أشبه ما تكون بالحكمة الشاردة والمثل الْعُلْيَا في انطباقها على واقع الحياة والبشر، وهي عبارة عن جمل قصيرة، تمتاز بأنها فن من فنون الأدب لها تقنياتها وأصولها وقواعدها ومعاييرها وأسلوبها وصياغتها، وهي من أصعب فنون الأدب وأدق أنواع الكتابة، ولا شك أن جذور هذا الفن تمتد بأعماقها منذ العصر الجاهلي وتمتد إلى ما يليه من عصر الإسلام، فقد كان العرب يتحدثون في العصر الجاهلي بقصر الجمل والكلمات، وكانوا يلتزمون في ذلك التعبير عن خواطر النفس بالحكم والأمثال والوصايا.
وقد تطور هذا الفن تطوراً كبيراً في العصر الحديث وتشعَّب تشعباً عظيماً واتسع نطاقه في مختلف نواحي الحياة من نظم أخلاقية واجتماعية وسياسية واقتصاديَّة وتربويَّة وتيارات فلسفية وثقافية ومذاهب أدبية وفنية واتجاهات فكرية وعقائدية، وما يرد على الذهن وما يختلفً على النَّفس، يعبر عنها صاحبها بعبارات موجزة وبجمل قد تطول حيناً بأسلوب يتميَّز بالدِّقَّة والإحكام وشدَّة التركيز، والميل إلى التألق في اختيار اللَّفظ واتساق العبارة مع عمق في المعنى وحصافة الرأي وأصالة الفكرة، ودقَّة النظر وسداد الحكم وصدق الخاطرة.
ومن الأدباء الَّذين مارسوا فن كتابة الخواطر في العصر الحديث الدكتور غازي بن عبد الرحمن القصيبي - يرحمه الله - الشَّاعر والأديب والكاتب الكبير، فقد ضمَّن كتابه (عن هذا وذاك)، فصلاً بعنوان (خواطر عن نفسي)، تضمن بعض الخواطر السريعة وهي كما يقول أشبه بتعرية النَّفس أو محاكمتها بكل ما فيها من أهواء ونزوات، كما يتضمن هذا الكتاب أيضاً فصلاً آخر بعنوان «عن أشياء صغيرة» عبارة عن خواطر سريعة عن الحب... وكذلك الأستاذ عبَّاس محمود العقاد الَّذي ألف طائفة من الخواطر سماها (الشذور)، كما أن له كتاباً باسم «خلاصة اليومية» ضمَّنه بعض أفكاره وآرائه وخواطره في مختلف شؤون الأدب والحياة، إلى جانب الأستاذ مصطفى صادق الرافعي كان يكتب في مجلَّة الرِّسالة تحت عنوان «كلمة وكليمة» كلها خواطر بليغة وجميلة.
هذه الخواطر وأمثالها لم ترد بطبيعة الحال على ذهن المؤلف عرضاً عشوائياً وإنما هي حصيلة تجارب في شؤون الحياة، قُدِّمت على شكل جمل موجزة وعبارات قصيرة أشبه ما تكون بالرحيق بعد جمعه من مختلف الزهور والورود.
والله الموفق والمعين.