ناصر العديلي
علاقتي بمجلة العربي الكويتية علاقة وثيقة منذ المرحلة المتوسطة في أواسط الستينات الميلادية، عندما زرت مدينة الرياض وعثرت على المجلة بعد صلاة الجمعة في مسجد الإمام تركي بن عبدالله (الجامع الكبير)، حيث كان البائع الشاب يعرض كتبًا متعددة وروايات مترجمة. كانت أعداد مجلة العربي تلمع تحت أشعة الشمس، ففرحت بها واشتريت بعض أعدادها الأولى، ثم اكتملت متابعتي الشهرية عندما صارت تتوفر في المكتبات.
كانت مجلة العربي مصدرًا للتنوير الثقافي والفكري والمعلوماتي، من خلال مقالات رئيس تحريرها الدكتور أحمد زكي، رحمه الله، الذي كان يكتب افتتاحية فكرية ومقالاً علميًا بأسلوب أدبي، وكذلك كتّاب العربي الآخرون مثل عزت إبراهيم، ومحمود السمرة، وزكي نجيب محمود، وفؤاد زكريا، وغيرهم. وساهمت المجلة في التوعية بالقضية الفلسطينية بعد هزيمة 67، وكذلك انتصار العرب في 1973 وما ترتب على ذلك من تطورات في العالم العربي.
مجلة العربي بوصلة ثقافية لتغيرات الوطن العربي. كما تميزت المجلة باستطلاعات (سليم زبال وأوسكار متري) عن المدن العربية في كل بلد عربي (من الخليج إلى المحيط)، مما أضاء لنا جوانب مجهولة في «بلاد العرب أوطاني من الشام لبغداد»، وهي القصيدة التي قرأناها في المرحلة الابتدائية. كذلك، القصص التي تنشرها العربي، سواء كانت مترجمة أو لكتّاب القصة العرب مثل نجيب محفوظ ويوسف إدريس وغيرهم.
كانت العربي في بداية قراءاتي مصدرًا فكريًا وأدبيًا وعلميًا ومعلوماتيًا هامًا. وفي عهد رئيس تحريرها الثاني الأستاذ أحمد بهاء الدين، رحمه الله (1976-1982)، تطورت المجلة مع تحولات العالم العربي في السبعينات، وركز في افتتاحياتها على الفكر السياسي الحديث بلغته الصحفية الرائعة، كما تطورت بعض أبواب المجلة وتعدد كتابها وحواراتها مع مفكري وأدباء وعلماء العرب، واستمرت المجلة مصدرًا ثقافيًا وفكريًا وأدبيًا تعرفت من خلالها على أدباء وكتّاب وشعراء عرب، وأساليب أدبية وشعرية ونقدية، مما سهل عليّ قراءتهم بشكل أعمق.
وعندما جاء الدكتور محمد الرميحي كرئيس تحرير (1982-1999)، تطورت المجلة أكثر، وتناولت افتتاحياتها الهامة مقالات في علم اجتماع السياسة والتغير، وعرضت مقالات وموضوعات عربية وعالمية وتحليلاً لكتب أجنبية في الفكر الثقافي والسياسي العالمي والعربي. وتنوع كتاب المجلة من كل البلاد العربية، وحافظت المجلة على مادتها العلمية والأدبية والاجتماعية واستطلاعات العالم العربي، كما تعددت النقاشات والحوارات بين المفكرين والأدباء العرب. برز فيها نخبة من الكتاب والمفكرين والأدباء العرب، وساهمت المجلة في تعرّفنا على تنوع الفكر والأدب العربي في عدة دول عربية.
كما ساهم الدكتور سليمان العسكر، رئيس تحرير مجلة العربي خلال فترة رئاسته، في تطورها في المجالات الثقافية والفكرية والعلمية والتقنية، رغم تزامن صدور المجلة مع ظهور الإنترنت والنشر الإلكتروني. وما زالت مجلة العربي مصدرًا ثقافيًا وفكريًا وعلميًا مستمرًا لا غنى عنه، وقد سهلت نشر وتوافر بعض مقالاتها المتنوعة والثرية في موقعها الإلكتروني تحت رئاسة الأستاذ إبراهيم المليفي.
في تقديري، أن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدولة الكويت مؤسسة ثقافية رائدة تلعب دورًا محوريًا في التنوير العربي، وساهم في تطوير الحركة الثقافية الأدبية والعلمية في الخليج والعالم العربي. ومن خلال إصداراته المتنوعة، مثل سلسلة «عالم المعرفة» التي تتنوع في ترجماتها الهامة في المجالات الثقافية في الآداب والعلوم الطبيعية والتقنية والعلوم الاجتماعية (علوم النفس والاجتماع والأنثروبولوجيا والتاريخ)، كذلك إسهاماته في نشر مجلات علمية هامة مثل مجلة «عالم الفكر» ومجلة «الثقافة العالمية» وكتاب «المسرح العالمي»، والتي قدمت ثقافة حديثة وثرية للنخب والمثقفين العرب. وما زال المجلس مستمرًا في إصداراته الرائعة وفي خدماته الثقافية والعلمية المتميزة.