سهام القحطاني
«يكتبها العرب، ليقرأها كل العرب».
أنا من جيل تربى وعيه الثقافي على الكتب الورقية والمجلات الثقافية التي لم تكن تقل أهمية عن الكتب، بما تتميز به من تنوع وجهات النظر الثقافية والاتجاهات الفكرية المختلفة.
وكان والدي -رحمه الله- محباً لاقتناء الكتب بدءاً من طه حسين مروراً بالعقاد وشوقي ضيف وإحسان عباس وغادة السمان وأمهات الكتب العربية، وكانت المجلات الثقافية لها نصيب من مكتبته مثل مجلة العربي الكويتية ومجلة فصول ومجلة الهلال.
ولم يكن منحازاً لاتجاه فكري معين، وهذا الانفتاح الفكري يعلّم المرء حرية الفكر واحترام ثقافة الاختلاف.
وهذا الفرق بين الكتب والمجلات الثقافية؛ فالكتب تقدّم لك وجهة نظر أحادية وحيناً متطرفة، خلاف المجلات الثقافية التي تُقدّم لك وجهات نظر مختلفة وحيناً متعارضة وهذا مفهوم تعليم حرية الرأي وأدبيات ثقافة الاختلاف.
لا أحد يُنكر أن «الكويت» كانت بالنسبة للخليج منارة ثقافية وفنية وإعلامية، وهذه القيمة الثقافية تجلّت في مجموع المجلات الثقافية التي شكّلت الوعي الثقافي الخليجي، وكانت انعكاساً للتنوع والانفتاح الثقافي الذي كانت تحظى به البيئة الثقافية الكويتية.
وتمثّل هذا التنوع في نخبة المثقفين الذين استقطبتهم المجلات الثقافية الكويتية مثل «مجلة العربي» والتي حتى الآن تحظى بالنسبة لي «بقيمة ثقافية» وخاصة في أرشيفها الذي يعتبر تاريخاً للتطور الثقافي العربي وبوصلة لحركة الاتجاهات الثقافية العربية في عصر الازدهار الفكري والثقافي العربي من خلال مقالات لأعظم كتاب العربية الجدليين أصحاب الاتجاهات الأدبية والثقافية الجديدة عبر التاريخ الأدبي العربي الحديث من طه حسين ونزار قباني ونجيب محفوظ وغيرهم من مثقفي العربي الجدليين.
وهنا سوف أتحدث عن «مجلة العربي» باعتبارها من المصادر الثقافية والممتعة والجذابة لي حتى الآن، سواء على مستوى اختيار أغلفتها أو العبارات الترويجية على أغلفتها التي تتميز ببلاغة الجذب والإبهار.
إن أرشيف هذه المجلة -مجلة العربي- هو مرجع حيويّ ومصدر من مصادر البحث لمرحلة التطور الأدبي والثقافي في تاريخ الأدب العربي، وهذه المجلة الرائدة تجاوزت صفة الإصدار الثقافي إلى صفة الفاعل الثقافي الذي كان له أثر في تشكيل الوعي الثقافي لمثقفي العرب، وأفسحت المساحات الحرّة لتلاقي الأفكار الأدبية والثقافية والفكرية لا أقول في نسق توافقي، بل في نسق تكافؤ فرص الحضور وضمان مساواة التنوع، وهذا المنهج هو ما نراه اليوم ونقرأه في المجلة الثقافية.
ولم يقتصر اهتمام «مجلة العربي» وهي المجلة التي أتابعها دوماً سواء على مستوى أرشيفها أو حاضرها، باستقطاب الكتّاب الجدليين أصحاب الرؤى التنويرية، بل توسع أفقها الفكري إلى القضايا الفكرية والثقافية العربية الراهنة والتي تنمو على شواطئ الصراع؛ لِما لتلك القضايا من تأثير في التحول الثقافي العربي.
إن القيمة والتأثير الثقافيين لمجلة عريقة مثل مجلة العربي التي تم تأسيسها عام 1958م ، لا تنحصر في الاهتمامين السابقين، بل تحولت إلى مركز ثقافي تنموي من خلال «مجلة العربي للصغار»، وبذلك وسعت جمهورها، وهذا مؤشر آخر لاستدامة تأثيرها في الوعي الثقافي؛ التجديد سواء على مستوى تنوع القضايا الفكرية العربية أو استقطاب أجيال جديدة لتشكيل وعيهم الثقافي الصافي.
إن كلمة السرّ في دوام تألق أي منجز ثقافي هي «قيمة المبدأ» الذي يمثّله ويستديم عليه، وفي حين التهم الظل مجلات ثقافية عربية كانت على مرأى ومسمع الميدان الثقافي، بقيت مجلة العربي؛ لأنها تحمل مبدأ أصيلاً ورؤية عابرة للأجيال، وإيماناً بقيمة التنوع، والسعي إلى التجديد، والشمولية التي شكّلت منهجها «يكتبها العرب ليقرأها كل العرب».