عبدالرحمن سليمان النزاوي
تُعَدُّ مجلة «العربي» الكويتية من أبرز المنارات الثقافية والفكرية في العالم العربي، حيث قدمت منذ تأسيسها مزيجًا متميزًا من الأدب والعلم والفكر. شكّلت افتتاحيات الدكتور أحمد زكي، أول رئيس تحرير لها، حجر الأساس لهذا النهج الفريد، بأسلوبه الذي دمج بين الرصانة العلمية والجمال الأدبي. وإلى جانبه، أسهم كتّاب مرموقون مثل زكي نجيب محمود، وفؤاد زكريا في ترسيخ مكانة المجلة كمنصة ثقافية شاملة.
تميزت مجلة «العربي» بتغطية الأحداث الكبرى في العالم العربي، حيث سلطت الضوء على القضية الفلسطينية بعد نكسة 1967، وتناولت تأثير انتصار العرب في حرب 1973. كما أبدعت في استكشاف المدن العربية من المحيط إلى الخليج من خلال استطلاعات ميدانية أعدّها سليم زبال وأوسكار متري، مما كشف النقاب عن جوانب خفية في بلدان الوطن العربي. هذا بجانب نشر قصص مترجمة وأعمال لكتّاب عرب بارزين مثل نجيب محفوظ ويوسف إدريس، مما أضاف بُعدًا أدبيًا راقيًا.
خلال فترة رئاسة الأستاذ أحمد بهاء الدين (1976-1982)، شهدت المجلة نقلة نوعية بتوجهها نحو الفكر السياسي الحديث، مع توسيع دائرة كُتّابها وتقديم حوارات عميقة مع رموز الفكر العربي. أما في عهد الدكتور محمد الرميحي (1982-1999)، فقد ارتقت المجلة إلى مستويات جديدة من التميز، حيث تناولت موضوعات فكرية وسياسية عالمية وطرحت تحليلات معمقة لأبرز الكتب الأجنبية، مع تنوع في الكُتّاب من مختلف أقطار العالم العربي.
واجهت المجلة تحديات العصر الرقمي في فترة رئاسة الدكتور سليمان العسكر، إلا أنها تمكنت من الحفاظ على تألقها عبر تقديم محتوى ثقافي وفكري متجدد. ومع دخولها عالم النشر الإلكتروني بقيادة الأستاذ إبراهيم المليفي، باتت المجلة أكثر قربًا من قرائها وسهولة في الوصول.
لا يمكن الحديث عن مجلة «العربي» دون الإشادة بالدور الرائد للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت، الذي أثرى الساحة الثقافية بإصدارات متميزة مثل «عالم المعرفة»، و»عالم الفكر»، و»الثقافة العالمية». هذه الإصدارات قدمت زخمًا ثقافيًا متنوعًا في الأدب والعلوم والفكر، ما جعلها مرجعًا للمثقفين العرب.
ختامًا، تظل «العربي» ذاكرة الأجيال ومنبرًا ثقافيًا خالدًا. واستمرار الكويت في دعمها للمجلة يعكس التزامها الراسخ بتعزيز الفكر العربي وترسيخ مكانتها كمنارة للثقافة والتنوير.