أ.د.حمزة بن قبلان المزيني
يتبوأ الأستاذ الدكتور محمد الرميحي مكانة مرموقة خاصة في الكويت وفي منطقة الخليج العربي والعالم العربي عمومًا. وأهَّله لتبوء هذه المكانة تاريخُه الغني في المجالات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والتنموية والسياسية على مدى ستة عقود كان فيها أحد أبرز الناشطين العرب في هذه المجالات.
وليس بمقدور هذه النبذة تلخيص ما أنجزه حكيم الخليج في أيٍّ من هذه المجالات المتعددة الشاسعة؛ وربما تكفي الإشارة هنا إلى بعض منجزاته فيها. ومن أهم تلك المنجزات مؤلفاته العديدة في علم الاجتماع خاصة التي عُنيَت بدراسة التركيب الاجتماعي للكويت والأسس الاجتماعية لكثير من الظواهر الدافعة والمثبطة للتنمية في الكويت وفي البلاد العربية عمومًا. كما أثرى المكتبة العربية بدراساته الكثيرة عن الشأنين السياسي والاقتصادي في الكويت وفي العالم العربي كذلك.
ومن أهم نشاطات الدكتور الرميحي المرموقة إسهاماته البارزة في إدارة الشأن الثقافي في الكويت لعقود. فقد أسهم في تأسيس كثير من الإدارات التي تعنى بالشأن الثقافي وتأسيس بعض المجلات الأدبية والفنية وإدارتها مما كان لكل ذلك من أثر واضح في التنمية الثقافية لا في الكويت فقط؛ بل في العالم العربي أيضًا. وشغل الدكتور الرميحي، في ذلك السياق، أمانة المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب لسنوات عدة؛ تلك المنصة الثقافية العربية الفريدة التي أثرت بمطبوعاتها الكثيرة تأليفًا وترجمة الثقافةَ العربية لعقود عدة.
ومن أبرز إسهاماته ضمن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب رئاسته لسنوات عدة مجلة العربي المرموقة التي تثقَّف عليها القراء العرب، وأنا أحدهم، لأكثر من ستة عقود. وكان من أبرز ما تفرَّدت به مجلة العربي أنها كانت، ولا تزال، نافذة للقراء العرب ليتعرفوا في كل عدد منها على مدينة أو منطقة عربية من خلال تقرير معلوماتيٍّ وافٍ مزيّنٍ بالصور الملوَّنة الجميلة ويزيِّن غلاف كل عدد منها وجه عربي جميل! وكانت افتتاحية مجلة العربي التي كان يكتبها الدكتور الرميحي إبان رئاسته تحريرَها نموذجًا لأبحاثه الجادة ومثالاً لثاقب فكره في تناول القضايا التي تشغل الرأي العام العربي ودرسًا في المنهجية والدقة والتعبير عن التطلع القومي العربي للنهضة والتنمية.
وكان الدكتور الرميحي، ومازال، فاعلاً بارزًا في المجال السياسي في الكويت من حيث عضويته في كثير من مراكز القرار والمشورة. وكان من أبرز الأصوات الكويتية أثناء احتلال نظام صدام حسين للكويت؛ فقد جنَّد نفسه للدفاع عن بلاده بمشاركاته العديدة في الندوات العربية الكثيرة التي كانت تعقد أيام الاحتلال الكئيب، وكان يجادل بقوة وبلاغة بعضَ الأصوات العربية التي لم تكن تجد بأسًا في انتهاك دولة عربية استقلالَ دولة عربية أخرى، بل كانت تعده خطوة كان يجب اتخاذها مبكِّرًا لتحقيق الوحدة العربية! وأسهم كذلك بكتاباته المتواصلة في الصحف العربية التي كانت تناقش ذلك العدوان من بين مؤيد للباطل ومعارض له. كما أنشأ أثناء الاحتلال صحيفة «الكويت»، ومجلة New Arabia اللتين كانتا منبرين فاعلين في فضح الجريمة الصدامية وفي الدفاع عن الكويت واستقلالها ومكتسباتها.
وللأستاذ الدكتور الرميحي حضور بارز في النشاطات الثقافية والسياسية في العالم العربي؛ فهو يتصدر قائمة المدعوين في كل مؤتمر ثقافي أو اجتماعي أو سياسي تقريبًا، ويثري برأيه تلك المؤتمرات بخبراته الواسعة وبوعيه النافذ.
ومن أهم نشاطات الدكتور الرميحي مشاركاته الفعالة في الكتابة الصحفية في عدد من الصحف الكويتية والعربية، ومازال. وأخص بالذكر المقال الأسبوعي الذي تنشره له صحيفة الشرق الأوسط صباح كل سبت، ويتناول فيه القضايا العربية والدولية بكفاءة وإلمام فائقين. ويعد مقاله الأسبوعي هذا إطلالة نافذة على إحدى القضايا التي تشغل القارئ في ذلك الأسبوع. ويلخص الدكتور الرميحي في مقاله بكفاءة تلك القضية ويعرض رأيه بشأنها مما يضيء للقارئ بعض أطراف تلك القضية التي ربما لم يكن واعيًا بها. ومن لوازم مقاله الأسبوعي الجميلة ما يكتبه في آخر المقال بعنوان: «آخر الكلام»؛ وهو لا يزيد عن جملتين يعبِّر فيهما فلسفيًّا عن رأيه في تلك القضية فيما وراء المعلومات ووجهات النظر التي تناولها في المقال.
بقي أن أقول: لقد سعدت كثيرًا بالتعرف على الأستاذ الدكتور محمد الرميحي في أثناء حضوري لفعاليات ثقافية عدة كان أحد حضورها البارزين، وأعدُّ معرفتي به عن قرب من مكاسب الحياة. وهو الأجدر بأن يلقب بــ «حكيم الخليج» لما يتمتع به من مزايا كثيرة لا تتوفر إلا في الحكماء.