د. أحمد محمد القزعل
في لحظة فارقة سجّل التاريخ سطوراً من نور حين أشرقت شمس الحرية على دمشق بعد سنوات من الكفاح والصمود، ولم تعد العاصمة حصناً للسلطة الجاثمة على صدور السوريين، بل أصبحت رمزاً للانتصار والكرامة، ولم يتوقع بشار الأسد الذي ظن نظامه منيعاً، أن يجد نفسه هارباً من عدالة الشعب مُطارَداً ومحطَّماً. انطلقت شرارة الثورة السورية في مارس 2011م عندما هتف الشعب للحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية مستلهماً روح الثورات العربية، غير أن النظام البعثي الاستبدادي واجه هذه المطالب بآلة القمع والدماء، مُجبراً المحتجين السلميين على الدفاع عن أنفسهم، فكانت الثورة صراعاً بين شعب لا يرضى بالعبودية ونظام لا يعرف سوى البطش، حقيقة طوال سنوات الحرب عانى السوريون الويلات: من براميل الموت التي تساقطت على رؤوسهم إلى الأسلحة الكيميائية التي خنقت أحلامهم، ومن الاعتقالات الوحشية إلى الحصار والتجويع، لكن رغم الألم بقيت جذوة الثورة مشتعلة في قلوبهم وواصلوا مسيرتهم متحدّين الموت حتى بزغ فجر النصر.
وفي صباح 8 ديسمبر 2024، دقّت ساعة التحرير، ودخلت فصائل الثورة دمشق بدعم وإرادة شعبية لا تعرف الخنوع وارتفعت أعلام الثورة في ساحات المدينة عاصمة الأمويين في مشهد أبكى العيون فرحاً، إنها لحظة سقوط رمزية النظام لقد كانت إعلاناً مدوياً بنهاية عهد الظلم والطغيان وانتصاراً ساحقاً لإرادة الحياة. هذا الانتصار لم يكن مجانياً؛ فقد دفع السوريون ثمنه بدماء الشهداء ودموع النازحين وصمود المعتقلين، ولقد ضحَّى وصبر الشعب كثيراً وأثبت أن الحرية لا تُوهب، بل تُنتزع ببطولة وإصرار، واليوم يقف السوريون على أعتاب مستقبل جديد يحدوهم الأمل بإعادة بناء وطنهم على أسس العدل والمساواة وتحقيق العدالة ومحاسبة المجرمين وإعمار ما دمرته الحرب وعودة اللاجئين إلى أرضهم، هي تحديات تنتظر من يخطون بقلوبهم وعقولهم نحو الغد.
إن شمس الحرية التي أشرقت على دمشق هي انتصار للإنسانية على الوحشية وللحق على الظلم، وسيبقى هذا اليوم شاهداً على أن إرادة الشعوب مهما طال ليل القمع قادرة على نسج فجر جديد يُشرق بالحرية والكرامة.