خالد محمد الدوس
نوافذ من علم الاجتماع الثقافي زاوية نسلط الضوء فيها على العديد من المفاهيم والموضوعات والنظريات المرتبطة بهذا العلم الفتي، الذي يدرس أثر الثقافة على الحياة الاجتماعية كحقل خصب يتفاعل مع التحولات الثقافية والتغيرات الاجتماعية والتحديات العولمية التي يشهدها عالمنا المعاصر.
نتناول اليوم موضوع «الثقافة» وهي من الموضوعات المهمة في ميدان علم الاجتماع الثقافي التي تمثل الإطار والمضمون الفكري الذي يحدد للمجتمع سماته التي تميزه عن غيره من المجتمعات الإنسانية الأخرى، إذ يحمل بين طياتها السمات الاجتماعية المتوازنة والمستجدة، وتعتبر أيضاً ثمرة النشاط الفكري والمادي الخلاق والمرن لدى الإنسان.
وعلى الرغم من الأهمية المعيارية لمفهوم الثقافة في العلوم الاجتماعية، فإن هذا المفهوم لم يحظ حتى وقتنا المعاصر بتعريف محدد يتفق عليه المتخصصون في تلك العلوم الاجتماعية ويعترفون به. وينبغي علينا أن نشير أولاً إلى الخلط واللبس الذي يثيره استخدام علم ثقافة في اللغة الغربية واختلاف معنى هذه الكلمة في الاستخدام العامي والمعروف عنه في الاستخدام العلمي. ففي حياتنا اليومية تستخدم كلمات مثل ثقافة، مثقف، تثقيف.. الخ يقصد بها معاني غير تلك التي يقصدها المتخصصون في العلوم الاجتماعية، فرجل الشارع، أي غير المتخصص قد يستخدم ويفهم كلمة ثقافة بمعنى سعة الاطلاع في مجالات متعددة , عن الأدب والفنون والعلوم المختلفة وصفة «مثقف» ربما تشير في الاستخدام الدارج إلى الشخص الواسع المعرفة الذي يقرأ كثيراً في مجالات المعرفة. وكثيراً ما يطلق على بعض البرامج الإذاعية والتلفازية صفة «برامج ثقافية» لأنها تتناول موضوعات مثل الأدب والسينما والمسرح والفنون.. الخ.
وفي هذا السياق تخصص بعض المجلات الأسبوعية والصحف اليومية كلمات تسمى بصالون الثقافة أو نافذة ثقافية وتنشر فيه مقالات متنوعة وموضوعات في الحركة الأدبية والفكرية والفنية, وفي المجتمعات العربية أو الغربية توجد لديها جهات رسمية وغير رسمية تعنى بالثقافة ومكوناتها ومهمتها الاهتمام بالنشاط الثقافي وتشجيع الإبداع في مجالات السينما والمسرح والأدب والتراث الشعبي.. الخ.
فالثقافة إذاً ممارسة وسلوك وخارطة طريق توضيحية يحملها الفرد على أكتافه ويسير وفق خططها، ودليل ترشيد الإنسان في حياته قيد له على الطريق الذي يرضاه المجتمع المحيط بالفرد وتقبله الجماعة التي يتعامل معها.. إنها الإطار الاجتماعي المهم الذي يعيش فيه الأفراد فيمارسون أنماطاً سلوكية مرضياً عنها، وهي تعتبر من أهم عناصر تكييف الفرد مع البيئة المحيطة به سواء كانت بيئة طبيعية، أو بيئة اجتماعية وما تشمله من علاقات اجتماعية وتفاعلات إنسانية.. وبالطبع لا يوجد مجتمع بلا ثقافة فلكل مجتمع بشري مهما كان متقدماً أو متخلفاً له ثقافته الخاصة به التي تميزه عن غيره من المجتمعات الإنسانية في جوانب عدة مادية ومعنوية.. كالمعرفة والقيم والأعراف والعادات والتقاليد والمعايير الاجتماعية والفنون والقوانين.. الخ.
ومن أكثر التعريفات شيوعاً بتعريف الثقافة تعريف العالم البريطاني إدوارد تايلور في كتابة «الثقافة البدائية».. فقد عرف «الثقافة» بأنها ذلك المركب الذي يحتوي على المعرفة والمعتقدات والفن والأخلاقيات والقانون والعادات وغير ذلك من القدرات والسلوك شائع الاستخدام الذي يكتسبه الإنسان كعضو في المجتمع.
ويرى بعض علماء الإنسان (الأنثروبولوجيا) أنه يمكن تقسيم الثقافة إلى مجموعتين رئيسيتين من العناصر هما:
أ - العناصر المادية:
ويقصد بها ما أنتجه الإنسان ويمكن اختياره بالحواس المعروفة وهذه العناصر تشمل الجوانب المادية مثل المسكن والمواصلات والتكنولوجيا والشوارع والاكتشافات.. الخ، بمعنى كل طرائق وأساليب التعامل مع الأشياء المادية واستعمالها.
ب - العناصر غير المادية (المعنوية):
وتشمل اللغة وهي وعاء الثقافة وأهم أدواتها, والأدب والفنون والقوانين وقواعد الأخلاق والعرف والعادات والتقاليد والأساليب الفنية والمهارات والتراث والمعتقدات الشعبية والرموز، وكل أنواع المعارف التي ينتجها الإنسان والأشياء المعنوية التي تحمل المعاني والدلالات في قالبها المعنوي أو اللامادي.
وبالطبع فإن للثقافة عدة وظائف مهمة وأهدافاً أساسية وأهمها:
1 - أنها تمد الأفراد في أي مجتمع من المجتمعات البشرية بمجموعة من الأنماط السلوكية, وبالتالي يستطيع هؤلاء الأفراد أن يحققوا حاجاتهم البيولوجية وإشباعها من مأكل ومشرب ومسكن وتتكاثر في النسل، وبذلك تستطيع الجماعة والأفراد المحافظة على بقائهم واستمرارهم.
2 - تمد الثقافة أفرادها بمجموعة من القوانين والنظم التي تتيح التعاون بين أعضائها مما تنتج عنه تكيف مع المواقف البيئية المختلفة، وينتج عن ذلك أن تستطيع الجماعة الاستجابة لمواقف معينة استجابة موحدة لا تعتريها التفرقة.
3 - المحافظة على المجتمع وضمان استمرارية وتطوره وضبط النظام والأمن, إذ من المعلوم أن لا مجتمع دون ثقافة ولا ثقافة دون مجتمع. كما أن استمرار الحياة في المجتمع هو استمرار لتكيف الفرد مع بيئته وبخاصة الثقافية منها.
4 - أنها تخلق حاجات يكتسبها الفرد ثم تمده بوسائل إشباعها، فالاهتمامات الجمالية والأخلاقية والدينية تخلقها الثقافة ومكوناتها ثم تهيئ للفرد وسائل إشباعها.
5 - تقدم الثقافة للفرد مثيرات ثقافية عادة عليه أن يستجيب لها بالطرق العادية الموجودة في الثقافة، ويتضح هذا إذا ما انتقل الإنسان إلى ثقافة أجنبية يقابل فيها هذه المتغيرات ويجد استجابات مختلفة تحدث له القلق والاضطراب دون أن تؤدي إلى ذلك في بيئته.
ومن هذا المنطلق نجد أن الثقافة تلعب دوراً مفصلياً في حياة الإنسان وهي التي تشكل إنسانيته وتصقل شخصيته وتنمي مهاراته وقدراته المختلفة.
وفي هذا السياق سنعرج على واقع الثقافة في مجتمعنا السعودي الفتي من حيث أهميتها ووظائفها فنجد أنها تعد جزءاً أساسياً من التحول الوطني الطموح الذي تسير عليه المملكة خاصة أن رؤية مملكتنا الطموحة 2030 نصت على أن الثقافة من مقومات (جودة الحياة)، كما تشدد على أن المملكة بحاجة إلى زيادة نشاطها الثقافي وهي تعتبر أحد أجزاء التحول الوطني الطموح، حيث تساهم في النمو الاقتصادي ولذلك تم تحديد 16 قطاعاً لتركيز الجهود عليهم في سبيل تطوير القطاع الثقافي ومنها(التراث, والمكتبات, والمسرح, والموسيقى والترجمة واللغات, والأدب, الكتب والنشر، والطهي, والمتحف وغيره).