سطام بن عبدالله آل سعد
في بلدية شمال الرياض، يبلغ عدد السكان أكثر من 635,750 نسمة، بينما في بلدية العزيزية جنوب الرياض 343,583 نسمة فقط. هذا التفاوت الكبير بين بعض الأحياء الشمالية والجنوبية يعكس اختلالًا واضحًا في توزيع التنمية داخل المدينة، ما أدى إلى تركيز سكاني واقتصادي كبيرين في الشمال، الأمر الذي أدى إلى رفع أسعار العقارات والإيجارات بشكل ملحوظ، مما أثر حتى على الأسعار في الأحياء الجنوبية، رغم ركود التنمية فيها. السؤال الذي يطرح نفسه: هل يمكن لشبكة المترو أن تعيد تشكيل التوزيع السكاني والاقتصادي بشكل منظم يحقق التوازن داخل الرياض؟
هذا التساؤل يقودنا إلى استعراض نهج عالمي يمكن أن يلعب دورًا محوريًا في معالجة هذه القضية، نهج التنمية الموجهة بالنقل (Transit-Oriented Development - TOD)، فهو تخطيط معترف به عالميًا في مجال التنمية المستدامة والتخطيط الحضري. يركز النهج على إنشاء مجتمعات حضرية مستدامة ومتعددة الاستخدامات حول محطات النقل العام، تجمع بين السكن، والعمل، والترفيه، والخدمات في بيئة متكاملة. فعبر توظيف وسائل نقل عام فعّالة، تُعيد النظرية توزيع السكان والخدمات بشكل متوازن، لتخفف الضغط على المناطق المركزية ويزيد جاذبية الأحياء الأخرى والطرفية للسكن والاستثمار، ما يساهم في انخفاض التكتل السكاني والتضخم العقاري.
إنّ التطبيقات العالمية لهذا النهج تؤكد نجاحها في تحقيق التنمية المتوازنة. فتوسعة شبكة مترو Crossrail في لندن ساعدت في تطوير مناطق بعيدة عن المركز، وقلصت الضغط السكاني والاقتصادي على المدينة. وفي هونغ كونغ تبرز كنموذج يعتمد على نظام نقل عام قوي يربط الأحياء السكنية بالمراكز التجارية، مما أسهم في استقرار الأسعار في المناطق المركزية، بينما في ستوكهولم تم تصميم مناطق سكنية متصلة بمحطات المترو، مع التركيز على التنقل بالدراجات والمشي.
وفي حال العمل بهذا النهج في الرياض، فسيؤدي إلى تقليل التكدس السكاني في الأحياء المركزية والشمالية من خلال إعادة توزيع السكان إلى الأحياء الجنوبية والغربية وكذلك بعض الأحياء الشرقية. وتحسين وسائل النقل وربط هذه الأحياء بالمركز يجعل الانتقال إلى مناطق أقل ازدحامًا خيارًا عمليًا للسكان، مع الحفاظ على سهولة الوصول إلى مراكز العمل والخدمات مثل مركز الملك عبدالله المالي، وكذلك الدوائر الحكومية والهيئات وجامعة الملك سعود والشركات والفنادق الواقعة على طريق الامير تركي بن عبدالعزيز الأول. كما يُمكن تطوير مناطق حول محطات المترو بمساكن ذات جودة وأسعار معقولة، مشجعة السكان على ترك الأحياء المزدحمة. النتيجة هي تحسين جودة الحياة في المركز وتوفير خيارات سكنية أوسع وأكثر جاذبية.
إلى جانب ذلك، يقوم النموذج بالحد من التضخم العقاري وتقليص الضغط على البنية التحتية، حيث تؤدي زيادة العرض السكني والتجاري في المناطق المحيطة بمحطات المترو إلى تخفيف الطلب المفرط على العقارات في المركز والأحياء الشمالية، مما يسهم في تراجع الأسعار واستقرارها. كما يساعد النموذج في معالجة الكثافة المرورية بواسطة الاعتماد على النقل العام، لينعكس إيجابيًا على تحسين توزيع الخدمات العامة مثل المدارس والمستشفيات والطرق، وخفض التكاليف التشغيلية للبنية التحتية.
أخيراً، يمثل مترو الرياض مفتاحًا لإعادة تشكيل مستقبل المدينة. من خلال استغلال إمكانات الأحياء الطرفية وتحويلها إلى مراكز نابضة بالحياة، ستتمكن الرياض من تحقيق توازن تنموي يُعزز من جودة الحياة لجميع سكانها. هذا التحول لا يعيد توزيع التنمية بشكل عادل فحسب، بل يضع المدينة على طريق أكثر استدامة وتماشيًا مع تطلعات رؤية 2030.
** **
- مستشار التنمية المستدامة