مشعل الحارثي
بات التخلص من النفايات البشرية وزيادتها المطردة عبئاً ثقيلاً مكلفاً على الكثير من الدول التي كانت تلجا للوسائل التقليدية القديمة للتخلص من مخاطرها وآثارها البيئية كعمليات إنشاء المكبات في خارج المدن أو الحرق والردم داخل الأرض، وكلاهما من الممارسات غير الصحيحة وذات الآثار الكبيرة على سلامة وصحة المجتمع، وفي حين أن بعض الدول لازالت تتعامل مع النفايات على أنها أزمة وتعدي على البيئة فعلى النقيض هناك دول أخرى اعتبرت النفايات كنزا اقتصاديا ثمينا وحولته لمجال استثماري تقوم عليه بعض الصناعات من خلال عمليات إعادة التدوير التي تدر مليارات الدولارات، وتساهم في إنتاج الطاقة، بل أصبح للنفايات بورصة عالمية للتداول.
والمقصود بالنفايات هي جميع المواد التي يتم رميها أو التخلص منها، وتؤثر سلباً بطريق مباشر أو غير مباشر على الصحة العامة او البيئة، كنفايات البناء والهدم والنفايات البلدية الصلبة، والنفايات الزراعية والصناعية الخطرة وغير الخطرة، والطبية، ونفايات الصرف الصحي والنفايات الورقية والبلاستيكية وغيرها.
وتنتج المملكة أكثر من (15) مليون طن من النفايات، تقدر الصلبة منها بـ(6) ملايين طن في المدن الثلاث الكبرى بالمملكة الرياض وجدة والدمام، وترتفع لديها نسبة المواد العضوية ونسبة الكربون إلى ما يزيد على 50 %، كما يبلغ معدل إنتاج الفرد السعودي من النفايات يومياً ما يعادل (1.7) كيلو جرام، فيما تبلغ نسبة النفايات المعاد تصنيعها ما بين (10-15%).
وتسعى المملكة وحسب التقرير السنوي لوزارة البيئة والمياه والزراعة لعام 2023م واتساقاً مع أهداف رؤية المملكة 2030 إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة والوصول إلى إعادة تدوير (100) مليون طن بنسبة تصل إلى 95 % وبما يسهم في دعم الناتج المحلي بمبلغ (120) مليار ريال وتوفير (100) ألف فرصة عمل، كما تتطلع وحسب الإستراتيجية الوطنية لإدارة النفايات أن يكون هناك بحلول عام 2040م (848) مرفق رئيسي لمعالجة النفايات وان تصل النفايات المعالجة إلى (1.2) مليار طن.
لقد بذلت الحكومة السعودية الرشيدة دوراً كبيراً وجهوداً مميزة في التصدي للقضايا البيئية والحد من التلوث وتحقيق التنمية المستدامة ومنذ وقت مبكر، وقامت بجهود مكثفة لإعادة التدوير وتفريغ النفايات، واستثمرت في هذا المجال الكثير من الأموال، ووضعت الخطط والبرامج، وتبنت جملة من المبادرات، وأنشأت العديد من المؤسسات والمراكز التي تهتم بالجوانب البيئية مثل المركز الوطني للأرصاد ومكافحة التصحر، والمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، والمركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي، والمركز الوطني لإدارة النفايات (موان) الذي استطاع تحقيق نتائج إيجابية في مؤشر صحة العمل الداخلية، وكذلك المركز الوطني للرقابة على الالتزام البيئي، إلى جانب إقرار نظام البيئة ولوائحه التنفيذية، وإقرار الإستراتيجية الوطنية للبيئة التي تتضمن أكثر من (65) مبادرة تستثمر ما يزيد على (55) مليار ريال، وقيام وزارة والبيئة والمياه والزراعة كجهة رئيسية معنية بهذا الجانب بتنظيم العديد من الفعاليات التوعوية المستمرة بهدف نشر المعرفة وتسليط الضوء على أبرز التحديات البيئية وكيفية حمايتها والمحافظة عليها،وكذلك العناية بالاستثمار في البحث والتطوير لإيجاد طرق مبتكرة لاستخدام النفايات البلاستيكية وتحويلها إلى طاقة ووقود أو مواد خام، ودعم الشراكات مع القطاع الخاص، إضافة لجهودها الدولية البارزة في التعاون مع المنظمات الدولية وإقامة التحالفات العالمية لإصحاح البيئة، ولقد انعكست كل تلك الجهود في تحقيق المملكة تقدما كبيرا في مؤشر الأداء البيئي العالمي، وتحقيق نسبة 100 % في مؤشر إدارة النفايات الصلبة لعام 2024م وذلك بحسب بيانات المركز الخليجي للإحصاء.
وتضامناً وتكاملاً مع كل تلك الجهود الكبيرة لحكومتنا الرشيدة ووصولاً للحياد الصفري الكربوني عام 2060م وفق أهداف رؤية 2030 فإن الأمر يتطلب تعزيز المشاركة المجتمعية لدى الأفراد والمؤسسات والقطاعات المختلفة حكومية أو خاصة، وبذل المزيد من الاهتمام بالسلوكيات البيئية، والحرص على غرسها في نفوس الناشئة والشباب، مع قناعة كافة الأسر بأهمية ترشيد الاستهلاك والحد من الإسراف، وتخفيف استخدام المواد الضارة وصولاً لتحقيق بيئة آمنة محفزة لحياة أجمل.