م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 - الفردانية تعني إعلان الحق الشخصي في التفرد لتحقيق الذات وممارسة الحياة كما يريد ويشتهي الفرد والعيش بحرية دون قيود.. وأن أفعاله وممارساته تعتبر فردية شخصية لا علاقة لأحد بها ولا يتحمل مسؤوليتها إلا هو.. فهو الذي يختار نمط حياته.. ويعطي ذاته الأولوية الأولى في التعليم والتثقيف والتطوير.. والتنعم بالحياة من سفر وترفيه دون رقابة أو حصار.
2 - تقوم فكرة «الفردانية» على التمركز حول مفهوم الإشباع العاطفي والبدني والتعليمي والتسويقي والترفيهي للفرد.. وتستفيد من كمية الخيارات المتاحة وانفلاتها من الخضوع للقواعد الجماعية مثل الأعراف والتقاليد.. مع الرفع من قيمة التنافسية.
3 - الفردانية أعلت من شأن الاهتمام بالذات جسداً وروحاً.. وتم الالتفات إلى الطقوس الشرقية كالتأمل واليوغا والمساج.. وأصبحت الأولوية للجسد باعتباره وعاء الذات.. فزاد الاهتمام بالرياضة والغذاء الصحي والمأكولات العضوية.. الفردانية أثرت على مستوى الشكل الشخصي.. فظهرت عمليات التجميل، والتخسيس، وزرع الشعر، ونزع الشعر، وتكبير بعض أجزاء الجسد، أو شد تجاعيد الوجه، أو نحت الأنف.. حتى صار إعادة تشكيل تضاريس الجسد أمراً عادياً.
4 - الفردانية الشخصية رفعت من ممارسات كانت في حكم العيب سابقاً وأصبحت في حكم السائد اليوم مثل العلاقات العابرة وتجريب الغراميات المؤقتة.. وأصبح اليوم في الغرب من العادي بل ومن السائد وجود ما يسمى «الأم العزباء».... أيضاً زادت من الاهتمام بالنفس وملاحقة كل طريف مثير من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.. وفتحت وسائل التواصل الاجتماعي للفردانية أوسع الأبواب لتحقيق استقلاليتها.. فأصبح لكل شخص قناته الخاصة التي يعلن فيها عن رأيه وموقفه من كل شيء وفي كل شيء بحرية.. وأصبح بإمكان الفرد إقامة جدار عازل بينه وبين كل ما يعكر صفو حياته.
5 - الفردانية ليس لها امتداد تاريخي، بل هي وليدة الحداثة، وأُلْغيت فيها قيم يُنْظر إليها على أنها قيم عليا مثل التضحية والولاء وأعراف المجتمع.. وتضاءل الاهتمام بالقضايا العامة المطلقة كالقضايا الأخلاقية أو القيم الإنسانية أو الرموز الدينية أو المواقف السياسية.
6 - وحيث إن الفردانية هي الاستقلالية الشخصية فهذا بدوره يُسْقط الرموز والقدوات.. ويُزيد من صعوبة التأثير الآيديولوجي الجمعي.. ويمنع إثارة الحشود.. ويُسقط الأصنام.. وتصبح جودة الحياة هي المعيار الوحيد للحياة.. وهذا من شأنه أن يذيب المجتمعات النمطية.. ويرفع من الهوية الشخصية الفردية.
7 - عالم الفردانية انتقل بنا إلى معايير ومراحل أخرى.. منها أن المنافسة لم تعد مع الآخر.. وأن التنافس لن يكون ضد الآخر.. بل ستكون المنافسة والتنافس مع النفس.. والفرد سيلعب في ميدان السباق وحده.. فالتقنيات الحديثة سهلت الانتقال من العالم الجمعي القديم إلى العالم الفردي الجديد.
8 - من سمات الفردانية أن الفرد سيبتعد عن الجدل في الدين والسياسة والمواقف الجماعية ويركز على النفس.. ولا يعني الابتعاد عنها عدم الاهتمام بها لكن يعني أنه لن ينغمس فيها على حساب تنافسيته الفردية.
9 - لا أحد يشبه أحداً.. فالفروقات الفردية سمة إنسانية عامة.. هذا هو الأساس الذي قامت عليه الفردانية.. والاختلافات بين الأفراد لا تقتصر على دوافع الإنجاز ومعاييره، ومَلَكَة التأثير، والتفكير العميق، والقدرة على التحليل، والمبادرة، ومواجهة التحديات، والثقة بالنفس، والانتباه.. بل تتعداه إلى كل شيء في الحياة.. فلا أحد يشبه أحداً في هذه الدنيا.
10 - التحولات الحضارية التي طرأت على المجتمعات الغربية في المرحلة المعاصرة خلقت ما يسمى «بالفردانية» الشخصية.. وهي التي تُفَتِّت البنية الاجتماعية القائمة على الانضباطية والاتباع وروح الفريق الواحد وأن مصلحة الجماعة فوق مصلحة الفرد.. في ذات الوقت سوف تحول المجتمع إلى بيئة مرنة تتأثر وبشكل فردي بوسائل التواصل الاجتماعي.. كما ترتكز على محفزات هي إثارة الحاجات، والجنس، وحقوق الإنسان، والاستغراق في الترفيه.
11 - عالم الفردانية هو عالم التنافسية.