عبد الله سليمان الطليان
في مقال نشر في مجلة Goethe بعنوان (إزالة الاستعمار من الإنترنت) بقلم الصحفية الألمانية اينا هوليف ننشر مقتطف منه تقول: إن الكولونيالية الرقمية تتغلغل في صميم الأمور بشكل كبير؛ إذ إنها تخترق جميع أنحاء شبكة الإنترنت تقريبا، وتصف بنية سلطة جديدة شبه إمبريالية تفرضها القوى المهيمنة على عدد هائل من البشر من دون رضاهم. هذه هي الطريقة التي تعرف بها محامية حقوق الإنسان ريناتا أفيلا استمرار الكولونيالية هذه.
أفيلا هي ناشطة من غواتيمالا، وواحدة من أشهر منتقدي الكولونيالية الرقمية. وفي «تقرير صحة الإنترنت»، الذي نشرته «مؤسسة موزيلا» وتعد رسمياً منظمة غير ربحية، انتقدت أفيلا على نحو خاص العلاقة الوثيقة بين السياسة والتكنولوجيا فهي، على سبيل المثال، تشير إلى أن الحكومة الأمريكية أصدرت تعليماتها لشركة «أدوبي» Adobe الأمريكية بإيقاف الخدمات السحابية في فنزويلا رداَ على الاضطرابات المدنية التي حدثت في خريف العام 2019 لذا تلتمس أفيلا، قبل أي شيء آخر تنظيماً أكثر صرامة للتكتلات الاحتكارية العامة، فضلاً عن التكنولوجيا التي تخدم الصالح العام تطالب أفيلا بدائل للشركات العالمية، التي تهيمن على الإنترنت، مثل «أمازون» و»فيسبوك» و»غوغل» وغيرها إذ إنه من الضروري تعزيز المبادرات المحلية تحرير الإنترنت من الاستعمار» هو ما تريده أفيلا لكن غالباً ما تتعثر البدائل المحلية بالعقبة الأولى: أي عند واقع عدم توفر إمكانية الوصول إلى الإنترنت على الإطلاق في أجزاء كثيرة من العالم، أو أن الاتصالات بطيئة للغاية.
تلك معضلة حقيقية؛ لأنه من البين أن المنتجات والخدمات التي يقدمها اللاعبون العالميون تستخدم في العديد من مناطق الجنوب العالمي، وعمالقة الإنترنت على أتم الاستعداد لتقديم خدماتهم في هذه المجالات في هذه المناطق إنما بالطبع ليس بالمجان، لكن بسبب شُح الأموال في الجنوب، يدفع العملاء مقابل هذه الخدمات عن طريق تقديم بياناتهم الشخصية بشكل أساسي. وفي هذا السياق، طرحت «فيسبوك» لخدمة الإنترنت الأساسيات المجانية» Free Basics في بعض دول إفريقيا وجنوب آسيا في العام 2014. وهذا المنتج عبارة عن تطبيق يمنح المستخدم نسخة خفيفة من الإنترنت؛ وهو مصمم خصيصاً للمناطق ذات البنية التحتية الضعيفة، ويعرض مواقع الويب المحددة مجانا، بينما لا يمكن الوصول إلى العديد من المواقع الأخرى على الإطلاق، لكن استخدام الأساسيات المجانية» مشروط بتسجيل الدخول من خلال حساب «فيسبوك»، أي بعبارة أخرى، تقديم البيانات الشخصية.
حظرت الهند الخدمة في العام 2016، وهي تعد، إلى جانب العديد من الدول الأخرى، أحد المنتقدين الرئيسين لهذا الشكل من الكولونيالية الرقمية لدى معظم الدول التي تتخذ هذا الموقف تاريخ عانت فيه من الاستعمار؛ وهي اليوم تستفيد من بنى تحتية متطورة نسبيا. ونتيجة لهذا؛ فإن هذه الدول في وضع يسمح لها بتحسين خدماتها الوطنية الخاصة واقتصاداتها المحلية. ينتقد العديد من الناشطين في مثل هذه الأماكن هذا التوجه أيضاً؛ لأنهم لا يتوقعون أي تحسن من حيث حماية البيانات مع تبني هذه الاستراتيجية. فبدلا من الشركات الأمريكية في معظمها، ستكون الحكومات والشركات المحلية هي من سيتمكن من الوصول إلى بيانات المستخدم بكل بساطة. وهنا، قد تجري إساءة استخدام سردية الكولونيالية الرقمية بهدف تحقيق الأجندات السياسية الخاصة بهذه الجهات.
ومما تقدم نرى أنه ليس مستغرباً ألا تكون كل المعرفة المتاحة على الإنترنت مجانية وموضوعية؛ أحد الأمثلة على ذلك هو «ويكيبيديا: حيث معظم المؤلفين وعلى شبكة ويكيميديا المرتبطة بها هم من الذكور، والعديد منهم من البيض الذين غالباً ما يكتبون المقالات من منظورهم كأشخاص متمتعين بالامتيازات وذوي نظرة أحادية.
تشير الناشطة الهندية على الإنترنت والمؤلفة أناسويا سينغوبتا إلى أن 20 في المائة فقط من المساهمين في «ويكيميديا» هم من الجنوب العالمي. أسست سينغوبتا مجموعة «معرفة من؟» Whose ?Knowledge بهدف جعل «ويكيبيديا» أكثر تنوعاً وأكثر موضوعية.
انعقد مؤتمر «ويكيمانيا Wikimania؛ وهو حدث سنوي لعشاق «ويكيبيديا، في كيب تاون العام 2018، وتلك كانت المرة الأولى، التي يعقد فيها المؤتمر في منطقة تقع جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا. إن إفريقيا ناقصة التمثيل على نحو خاص في نسبتها من المعرفة على ويكبيديا»، فمن بين ما يقارب 70 ألف مؤلف نشط في الموسوعة الرقمية في جميع أنحاء العالم، هنالك نحو 14 ألفاً فقط من بلدان الجنوب العالمي. ووفق دوميساني ندوباني من «ويكيميديا» جنوب إفريقيا؛ فإنه من بين أولئك لا يوجد حتى 1000 إفريقي، وهذا الوضع بحاجة للتغيير.