فضل بن سعد البوعينين
هل المشروعات السياحية السعودية مخصصة للأغنياء القادرين على السفر أم لمتوسطي الدخل الذين يبحثون عن وجهات سياحية داخلية تتناسب مع مستوى دخلهم؟.
رئيس الهيئة السعودية للبحر الأحمر «محمد آل ناصر» صرح لبودكاست ثمانية، إن المشاريع النوعية مازالت في بدايتها وكان لابد من تدخل الدولة لتنشيط السياحة الساحلية وبناء مشاريع كبيرة يصعب على القطاع الخاص تنفيذها، وهي موجهة لشرائح ذات إنفاق عال.
تدخل الدولة لتنشيط السياحة عموما، والسياحة الساحلية على وجه الخصوص، أمر مهم، سيسهم في غرس نواة القطاع السياحي وجذب السائحين، والمستثمرين على حد سواء، خاصة وأن تكاليف و مخاطر القطاع السياحي مرتفعة، وتحتاج إلى إستثمارات حكومية لإستكمال البنى التحتية، وتنفيذ مشروعات معززة للنمو السياحي. إستكمال البنى التحتية ابتداءً، والمزج بين المشروعات النوعية الموجهة للأثرياء، والمشروعات المساندة الموجهة لمتوسطي الدخل، هو الخيار الأمثل المحقق للأهداف الإستراتيجية، والمعزز لخلق وجهات سياحية موجهة لجميع الشرائح، ومنها لمتوسطي الدخل الذين يشكلون السواد الأعظم، والقادرين على تنشيط الحركة السياحية الداخلية.
يعتقد آل ناصر بأن تلك المشروعات الكبيرة ستتحول إلى نواة جاذبة للاستثمارات السياحية، من القطاع الخاص والأهلي، موجهه لتلبية جميع الشرائح الأخرى من متوسطي الدخل ومن ضمنهم المواطن الذي يعيش في المنطقة نفسها، وهو اعتقاد صحيح، من الجانب النظري، غير أنه في حاجة لمراجعة دقيقة تسهم في المنفعة الكلية من تلك المشروعات، واستدامة الطلب وكثافته لتحقيق العوائد المرجوة، والمحفزة للإستثمارات الخاصة من جهة، وتحقيق التوازن الأمثل بين المشروعات السياحية الموجهة لشريحتي الأغنياء ومتوسطي الدخل من جهة أخرى.
كما أن من المهم تحديد الشرائح المستهدفة بحسب مواقعها الجغرافية، وبما يضمن استدامة الطلب عليها، وهو الهدف الأسمى للمستثمرين، وللحكومة التي تسعى لتوفير وجهات سياحية نوعية للمواطنين والمقيمين، ومواطني دول مجلس التعاون الخليجي الذين يمكن أن يصنفوا ضمن السياح المحليين أوالقادمين من الخارج في آن.
ركزت رؤية 2030 على التوطين في جميع القطاعات، ما يفترض أن يكون من مستهدفات السياحة، كما ركزت على تنشيط القطاع السياحي ورفع مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، وتحقيق مستهدف تنويع مصادر الاقتصاد، وهو أمر لا يمكن تحقيقه بمعزل عن الطلب المحلي، المحرك الحقيقي للمشروعات السياحية، وهو أحد أهم ممكنات القطاع، والداعم للاستدامة، والقادر على الحد من التسرب السياحي.
تفتقر غالبية مدن المملكة المطلة على البحر لمشروعات سياحية نوعية، بل وتعاني من وجود الملكيات الخاصة والتعديات الساحلية على الخليج العربي والبحر الأحمر، والتي تحجب الشواطئ عن عامة المواطنين والمقيمين، لذا فمن الأجدى أولا التفكير الجدي في إيجاد مشروعات ساحلية تهتم بتلك الشريحة المهمة، والتي تشكل النسبة الأكبر من الطلب المحلي. بناء مشروعات تستهدف متوسطي الدخل والأقل دخلا، ستسهم في تعزيز هدف جودة الحياة، وخلق وجهات سياحية نوعية، وتنمية الشواطيء، والمدن الساحلية، وخلق منظومة سياحية متكاملة يمكن لمتوسطي ومنخفضي الدخل، الذين يشكلون النسبة الأعظم من السكان، الإستفادة منها. يمكن للمواطنين والمقيمين أن يغذوا الطلب المحلي، وبما ينعكس على الدخل والإستدامة، وبالتالي جذب مزيد من الإستثمارات، وهذا بخلاف الطلب على المشروعات الفخمة التي قد لا تحقق الهدف المأمول إن لم تكن هناك حياة متنوعة ومشروعات داعمة، وقرى سياحية تجمع بين المنتجعات الفخمة والمشروعات الأخرى المحققة لرغبات شرائح المجتمع الأخرى وقدراتهم المالية.
قد تواجه المشروعات الفخمة بانحسار الطلب عليها لأي سبب من الأسباب، خاصة وأن شريحة الأثرياء ينتهجون سياسة سياحية خاصة تعتمد التنوع، أو الالتصاق بوجهات اعتادوها من قبل. وهذا لا يمكن حدوثه مع الطلب المحلي متى توفرت الوجهات الجيدة والتسعير المناسب لمتوسطي الدخل من المواطنين والمقيمين.
أخشى أن تتحول بعض المشروعات المخصصة للأثرياء إلى حاضنة للدعوات الخاصة المدفوعة، وهو أمر متوقع في بداية التسويق لها، غير أن استدامتها تعني تحمل تكاليف التشييد والتشغيل والإستضافة، فتتوقف بنود الدخل وتستمر بنود الإنفاق إلى مالا نهاية. وهذا لا يمكن توقع حدوثه مع الطلب المحلي الذي سيبدأ بمجرد إنجاز المشروعات الموجهة لهم، متى كان التسعير مناسبا، وبالتالي تلقي التدفقات النقدية الداخلة، والعوائد المجزية، وتحقيق الأرباح المأمولة، وتوطين السياحة.
يمكن للسياحة أن تزدهر وتنمو، وتحقق مستهدفات رؤية 2030 الاقتصادية والتنموية وذات العلاقة بجودة الحياة دون المبالغة في التكاليف والتصاميم وصنع طبقية تسعى دول العالم للتخلص منها.
يمكن التركيز على عدد محدود من المنتجعات الفخمة المخصصة للأثرياء، والتوسع في المنتجعات السياحية والشواطئ المفتوحة والمشروعات النوعية لمتوسطي ومنخفضي الدخل والعامة أيضا، فهم الأكثرية العظمى، ومن يستحقون الدعم والاستمتاع بمخرجات الرؤية ومشروعاتها.