عبدالله إبراهيم الكعيد
يدور في مختلف الساحات هذه الأيام جدل حول إحلال الآلة محل الإنسان. الأسبوع المنصرم كنت في مساحة «المشراق» وهي إحدى أشهر مساحات منصّة (x) محلياً. يتم طرح الآراء فيها بكل حرية من قبل المتحدثين بعد معرفتهم بالضوابط العامة وضوابط المساحة التي وضعها الراحل عبدالرحمن أبو زيد (رحمه الله)، ووجدتها منصّة تتماهى مع نهج مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني الذي يسعى للارتقاء بالحوار نحو الفائدة الأشمل (نلتقي، نتحاور، كي نرتقي)، وهذا ما يُحاول أهل المساحة وروادها تحقيقه ويسعون إليه، فحرصت على التواجد فيها بانتظام منذ حوالي ثلاث من السنين تقل قليلاً أو تزداد قليلاً.
طرح المتحدثون آراء مختلفة في تلك الحكاية وكان التوجس هو السائد من بعض المتداخلين. توجّس بأن يُساهم الذكاء الاصطناعي في إقصاء البشر عن كثير من المهام العملية واحتلال مواقعهم، وبالتالي زيادة نسب العطالة في المجتمعات. أكّد البعض حقيقة أن رجال الأعمال وملاّك الشركات العابرة للقارات وحتى أصحاب المصانع يبحثون دائماً عن خفض نسبة التكلفة (وهذا من حقّهم) بما فيها خفض الأجور، لكنهم يخشون من ضغط النقابات العمّالية فيما لو مسّت إجراءاتهم دخل العمال أو تسريحهم اعتباطياً. لهذا لجأ البعض منهم إلى حكاية الأتمتة (Automation) أي اللجوء إلى التقنية لتنفيذ المهام والعمليات تلقائياً دون الحاجة إلى التدخلات المستمرة للعناصر البشرية.
يزعم من يلجأ إلى الأتمتة (دون حاجة منطقية أو ملحّة) بأنه يسعى إلى تحسين جودة المُنتج وتقليل العيوب/ الأخطاء وبالتالي توفير الجهد والوقت وزيادة الإنتاج. كاتب هذه السطور يتفهّم لجوء المؤسسات الحكومية الخدمية غير الهادفة للربح إلى الأتمتة للرقي بأداء أجهزتها والتسهيل على طالبي خدماتها واختصار الإجراءات. لكنني في ذات الوقت أتوجس من خطط إحلال الروبوت محل البشري (دون حاجة ملحة)، لا أعني أنهم يتآمرون على العنصر البشري لزيادة الأرباح أو لأي هدف معلن أو غير مُعلن، لكن هو مجرّد خوف خفي لانحيازي دون شك للعنصر البشري وليس مع الآلة.
حتى لا يتهمني البعض بالتخلّف عن عصر الرقمنة والذكاء الاصطناعي وأني (دقّة قديمة) أُطمئنهم بأنني جرّبت الاستعانة بأحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي (ChatGPT) وسألته كتابياً إن كان لديه معلومات عن الأتمتة، فأورد لي معلومات كثيرة لكن كفّته مالت لصالح الفكرة ولم يورد أي عيب فيها، لكنه ذكَّرني بأن الأتمتة تتطلب استثماراً أولياً بالتكنولوجيا وأشار (على استحياء) بأنها (قد) تؤثر على الوظائف التقليدية التي يعتمد عليها العمل اليدوي. نعم قال العمل اليدوي ولم يقل العنصر البشري.
أعود لفاتحة حكاية اليوم. هل يمكن أن يأتي يوم يتم فيه الاستغناء عن الكائن البشري الذي ساهم بعقله وعلمه وجهده وأفنى حياته للبحث والابتكار منذ اكتشف (العجلة) الصخرية التي تم تطويرها خلال مسيرة طويلة إلى أن أصبحت عجلة مركبة فضائية تسير على سطح المريخ، ثم تأتي الآلة لتحل بديلاً عنه وهي التي لا تُفكر أصلاً إلا بزر تشغيل يضغطه البشري؟