أ.د.عثمان بن صالح العامر
لكل منجز حضاري أبعاده الثقافية وآثاره الاجتماعية وانعكاساته السلوكية، ومشروع قطار الرياض (مترو الرياض) الذي افتتحه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز يوم الأربعاء 27 نوفمبر 2024 م يعد من المنجزات التاريخية التي ستحدث تغييراً ثقافياً بدأت ملامحه تظهر خلال الأيام القليلة الماضية.
لقد سادت في العاصمة الرياض ثقافة التنقل بالسيارة الشخصية، والفردية في التحركات اليومية، الأمر الذي يعني اضطرار الأب شراء سيارات بعدد أفراد أسرته والاستعانة بالسائق الخاص لتوصيل الصغار، فضلاً عن التنافس في امتلاك السيارات الفارهة والاستعراض بها باعتبارها مكملاً أساسياً للشخصية السعودية، وعنواناً بارزاً للثراء العائلي، واليوم بعد بدأ المرحلة الأولى من المشروع أضحى مترو الرياض بديلاً رئيساً أمام الكل للوصول إلى مقار عملهم بسهولة ويسر، وكذلك التنقل بين أحياء وشوارع العاصمة في كل وقت وحين، بعيداً عن الضغوط النفسية التي كانت تصاحب قائدي المركبات جراء الزحام الذي يقول عنه قاطنو العاصمة وزائروها على حد سواء (أصبح لا يطاق)، حتى أنهم صاروا لا يصلون إلى منازلهم إلا عن طريق (اللوكيشن).
من ناحية ثانية أضحى المواطن يمارس المشي يومياً خاصة إذا كان من سكان الأحياء القريبة من محطات المترو، أو أنه يركب الحافلة من مكان وقوفه وصولاً بجوار منزله لأقرب محطة لبيته، وهذه فرصة ليلتقي بمن حوله في الحي، فرصة ليتعرف على أناس جدد في حياته ممن يشاركونه نفس المشوار اليومي ذهاباً وإياباً، كما أن المترو فرصة ليلتقي بأصدقاء قدامى فرقتهم دروب الحياة وصعوبة اللقاء.
المشوار اليومي بالمترو سيمنح الكل فرصة للقراءة، سيتيح للموظف الجاد إنهاء جزء من معاملاته اليومية الموجودة على جهازه المحمول، سيعودنا الدقة في المواعيد، وسيوفر لنا السلامة من أخطار الطريق المعروفة، المترو فرصة للخروج مع الأهل لمشوار واحد في إجازات نهاية الأسبوع والفترة المسائية بهدوء وطمأنينة، بعيداً عن الأعصاب المشدودة، هو باختصار فرصة لعودة العلاقات الاجتماعية لسابق عهدها في العاصمة الرياض بعد زوال العذر الذي كان يتكرر على كل لسان، فرصة لإنجاز كثير من الأعمال في اليوم المعتاد، فرصة لنرى الرياض بعين جديدة بعد أن كنا لا نعرفها إلا من خلال الطرق المزدحمة أو نافذة الطائرة محدودة الاتجاهات.
إنني على يقين أن هذا المنجز الحضاري سيغير كثيراً من القناعات الشخصية، وسيبدل في السلوكيات، ومتى اكتمل فسيفتح آفاقاً جديدة أمام الجادين في توظيف الجديد للاستفادة الحقيقة من الوقت الذي منحهم إياه مترو الرياض.
شكراً لقيادتنا العازمة الحازمة، الجادة الطموحة، الحكيمة المنجزة، ودمت عزيزاً يا وطني، وتقبلوا صادق الود وفائق التحايا والسلام.