خالد بن حمد المالك
أكثر من خمسة عقود مرت بين حكم حافظ وبشار الأسد ولكنه سقط في أسبوع واحد فقط، كانت الخمسون عاماً التي مضت منذ حكم الأب ثم الابن تحكم بالحديد والنار، فالمعتقلات ملأى بالمعارضين من رجال ونساء، والإعدامات لا تتوقف، وملايين السوريين هربوا من بطش النظام، ولا صوت يعلو على صوت التمجيد لبشار الأسد وقبله لحافظ الأسد، وإلا تعرَّض من ينتقد النظام إلى أكثر الممارسات إيذاءً وعدوانية.
* *
وعلى مدى أكثر من عشر سنوات مضت ظلت المعارضة تحاول مرة بعد أخرى إسقاط نظام بشار الأسد، كما حاولت من قبل إسقاط سلفه حافظ الأسد، ومع كل محاولة فاشلة كانت المعارضة تزداد تصميماً لقهر المستحيل، وإبقاء الأمل، وتجاوز المحن والتنكيل بالأحرار، بانتظار اليوم الذي تنتصر فيه إرادة الشعب، وحقوق الإنسان، وعودة سوريا الأبية والتاريخ والبطولات إلى مكانتها المرموقة.
* *
سقط نظام بشار بعد أن دمَّر سوريا وقتل وعذَّب وسجن وهجَّر ما لا يقدَّر عدده من المواطنين الأحرار الشرفاء، دون أن تتمكَّن القوى الأجنبية التي استقدمها لتحميه من غضبة الشعب، فإذا به يترك سوريا طريداً، ومهزوماً، وفاراً للنجاة من مصير كان ينتظره، ومن عدالة كان عليه أن يواجهها في المحاكم لينال جزاء ما اقترفه من جرائم بحق الشعب السوري الشقيق.
* *
كان حظه أن هناك من هرَّبه قبل أن يتم إلقاء القبض عليه، وإلا لكان مصيره كما مصير القذافي وصدام حسين، وكل من عادوا شعوبهم من القادة في عالمنا العربي، ونكَّلوا بالأحرار منهم، وتحوَّلوا إلى قتلة لكل من يعارضهم، أو يرفع الصوت ضد ممارساتهم، وكأن لهم الحق في إيذاء المواطنين، وليس لأحد أن يعترض على تصرف مرفوض كهذا.
* *
مشاعر الفرح التي عبر عنها السوريون بزوال نظام بشار الأسد، وما صدر من تصريحات لكثير ممن تحدثوا عن هذه اللحظة التاريخية، تظهر حجم الاحتقان ضد النظام السابق، وكأنهم كانوا ينتظرون ما حدث ليعبروا عن مشاعرهم الحقيقية التي حُرموا منها طويلاً، وآن لهم الآن دون خوف أو وجل أن يقولوا ما كانت القبضة الحديدية لنظام الأمن تمنعهم وتحاسبهم وتعاقبهم عليه.
* *
لقد كان على بشار الأسد أن يستجيب لإرادة الشعب، منذ بداية المظاهرات تزامناً مع ما سُمي بالربيع العربي، ويسلِّم الحكم للشعب، لكنه أبى وتكبَّر، وبدلاً من الحوار والتفاهم استخدم القوة، وفتح السجون، ومارس الإعدامات، لتخويف الشعب، ومنع تكرار المظاهرات الاحتجاجية، مستعيناً بقوى أجنبية، ليحوِّل سوريا إلى دولة محتلة، من روسيا وأمريكا وتركيا وحزب الله اللبناني والحشد الشعبي العراقي وغيرهم، وفات عليه أن الشعب أقوى من كل هذا، وإن تأخر تغييره كثيراً.
* *
ها هو بشار الأسد، يهرب إلى جهة غير معروفة، طريداً بعد أن أمعن في قتل الشعب، وتهديم سوريا، وإفقار المواطنين، وتهجير الملايين منهم، والزج بالآلاف في السجون، لتبدأ عودة المهجَّرين، وفتح السجون لإخراج السجناء منها، وانتشال سوريا من الوضع المتردي الذي هي عليه، والبدء بإخراج الدول والميليشيات الأجنبية، ولملمة الجراح، وإعادة الوحدة الوطنية بين المواطنين، وكل هذا سوف يتحقق، بعضه تحقق الآن، والبقية في الأيام والشهور المقبلة.
* *
لكن - من باب التذكير- فإن سوريا تحتاج في هذه المرحلة إلى موقف عربي داعم لمتطلباتها، كما أن النظام الجديد يحتاج إلى الواقعية في إدارة شؤون الدولة، في الداخل والخارج، وإلى تمكين وتقوية علاقاتها مع أشقائها العرب، والبعد عن التطرف، وتجنب الخلافات بين المكونات السورية، وعدم الإقدام على مغامرات في مرحلة تأسيس دولة بعد خرابها، وكان الله في عون من سيتولى القيادة في هذه المرحلة الدقيقة والمفصلية التي تمر بها سوريا بعد هذه الثورة التاريخية.