جمال المرشدي
الغباء الاصطناعي، كمهارة ذكية، يتطلب وعيًا ودقة في التنفيذ، فهو ليس تصرفًا عشوائيًا بل أداة استراتيجية تُستخدم للتعامل مع الآخرين بحكمة وقدرة على قراءة المواقف. التصنع بالغباء لا يعكس ضعفًا، بل هو تصرف واعٍ يهدف إلى تجنب التصعيد وحل المشكلات بطريقة غير مباشرة، كما أنه يعكس ذكاءً اجتماعيًا عاطفيًا عميقًا. الشخص الذي يستخدم هذه المهارة ليس مجرد متغافل، بل هو متحكم في زمام الأمور، قادر على إدارة العلاقات الشخصية والمواقف الاجتماعية بمرونة ودبلوماسية.
في العلاقات الاجتماعية، يصبح التغافل عن الأخطاء الصغيرة وعدم إظهار العتاب على الأمور السطحية وسيلة فعالة لتعزيز الاستمرارية والتقارب. هذا التغافل لا يعني التجاهل الكامل، بل هو اختيار واعٍ لعدم الخوض في تفاصيل قد تؤدي إلى تعقيد العلاقات. إنه يظهر الشخص بمظهر الناضج والمتصالح مع نفسه، مما يجعله أكثر قبولًا في المجتمع. فالشخص الذي يقدر على التظاهر بعدم المعرفة أو الاهتمام بما لا يستحق التركيز، يُنظر إليه على أنه شخص متوازن ومرن.
أما في الحياة العاطفية، فإن استخدام الاستغباء يخلق بيئة متسامحة تُجنِّب الشريكين الوقوع في جدالات لا داعي لها. العلاقات العاطفية تتطلب في كثير من الأحيان التغافل عن الصغائر وتجنب تضخيم الأخطاء، حيث يؤدي التغافل المدروس إلى ترسيخ مشاعر المودة والاحترام. فالشريك الذي يتقن هذه المهارة يساهم في بناء علاقة أكثر استقرارًا، قائمة على التسامح والتفاهم بدلاً من النقد والمواجهة المستمرة.
الاستغباء المدروس يعكس دهاءً ومهارة، حيث ينمو من ذكاء الشخص وقدرته على قراءة ما بين السطور. الإنسان الذكي يدرك متى يتدخل ومتى يختار التغافل، ومتى يكون من الأفضل أن يتظاهر بعدم الفهم ليجنب نفسه الصدام أو النزاع. ومع ذلك، يجب أن يُستخدم هذا الأسلوب بحذر حتى لا يتحول إلى استهانة أو استغلال، بل ليظل أداة للتعامل الإيجابي مع العقبات والخلافات. كما عبر عن ذلك وليام شكسبير بقوله: «الاستغباء وأنت فاهم كل شيء متعة عظيمة»، حيث أشار إلى الراحة التي يمنحها التغافل الذكي. كذلك أبدع أبو تمام في وصفه عندما قال:
«ليس الغبي بسيد في قومه
لكن سيد قومه المتغابي»
في إشارة إلى أن المتغابي هو سيد الموقف بحكمته في التعامل مع الآخرين.
الغباء الاصطناعي يتجاوز مجرد كونه أداة فردية، ليصبح أسلوبًا يمكن تطبيقه على مستوى المجتمعات. فالتغافل عن الصغائر داخل بيئة العمل مثلاً يمكن أن يعزز من التعاون بين الأفراد ويقلل من التوترات التي قد تؤثر سلبًا على الأداء الجماعي. كما أن تجاهل الأخطاء الصغيرة في العلاقات الأسرية يساهم في خلق أجواء من المحبة والتفاهم، مما يعزز الروابط العائلية ويقلل من المشاحنات التي قد تعكر صفو الحياة.
في النهاية، الغباء الاصطناعي يُعد مهارة حياتية متقدمة تساعد الفرد على تجاوز الصعوبات الاجتماعية والعاطفية، مما يؤثر إيجابًا على حياته الشخصية والمهنية. من يتقن هذه المهارة، يستطيع أن يخلق بيئة أكثر إيجابية وسلامًا، دون أن يفقد احترامه لذاته أو للآخرين. إنها مهارة تُعلمنا أن السلام الداخلي وراحة البال تأتي أحيانًا من التجاهل الواعي، حيث نختار معاركنا بعناية ونتجاوز ما لا يستحق اهتمامنا، وصولًا إلى حياة أكثر هدوءًا وانسجامًا.