د. سفران بن سفر المقاطي
في عصر التحول الرقمي السريع الذي يشهده العالم اليوم، لم يعد الأمن السيبراني مجرد خيار أو ترف، بل أصبح ضرورة حيوية لأي دولة تسعى للحفاظ على أمنها واستقرارها الوطني. فالانتشار المتسارع للتكنولوجيا الرقمية وتوسع نطاق الاعتماد عليها في جميع مجالات الحياة قد رفع من حجم التهديدات السيبرانية وتعقيدها بشكل غير مسبوق.
وتأتي هذه التحديات في وقت تولي فيه المملكة العربية السعودية أهمية قصوى لتعزيز قدراتها في مجال الرقمنة والأمن السيبراني، انطلاقًا من رؤيتها 2030 للتنمية الشاملة. فالمملكة، وهي تسعى لتحقيق أهداف طموحة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية، تدرك جيدًا أن الأمن السيبراني يُعد ركيزة أساسية لضمان استقرار واستدامة هذه المسيرة الشاملة.
وفي هذا السياق، جاء انعقاد مؤتمر بلاك هات 2024م، في العاصمة مدينة الرياض في الفترة 26-28 نوفمبر2024م ليمثل فرصة مهمة للمملكة لاستعراض جهودها المتواصلة في هذا المجال الحيوي. فهذا المؤتمر العالمي، الذي يُعد من أبرز الفعاليات المتخصصة في الأمن السيبراني، يُسلط الضوء على أحدث التطورات والاتجاهات في هذا المجال على الصعيد الدولي. كما يُسهم في تعزيز التعاون والتنسيق بين الدول والمنظمات المختصة في مواجهة التهديدات السيبرانية المتنامية. وانطلاقًا من إدراكها لأهمية هذا المحور الحيوي تواصل المملكة العربية السعودية تكثيف جهودها على عدة مستويات رئيسية
أولاً، تطوير البنية التحتية السيبرانية: تستثمر المملكة بشكل مكثف في إنشاء وتطوير البنية التحتية السيبرانية المتقدمة، بما يعزز قدراتها الدفاعية ضد التهديدات الإلكترونية. وتشمل هذه الجهود إنشاء شبكات اتصالات وأنظمة معلوماتية عالية التقنية، إلى جانب تطوير قدرات التحليل البياني والذكاء الاصطناعي التي تساعد في الكشف المبكر عن المخاطر السيبرانية ومواجهتها بشكل فعال.
ثانياً، توطين الخبرات السيبرانية: تُولي المملكة أهمية خاصة لتمكين وتأهيل الكوادر الوطنية المتخصصة في مجال الأمن السيبراني. فمن خلال برامج التدريب والتطوير المستمرة، تعمل على إعداد جيل من المتخصصين السعوديين في هذا المجال الحيوي، بما يُسهم في بناء القدرات الذاتية للمملكة في مواجهة التحديات السيبرانية.
ثالثاً، تعزيز التعاون الدولي: تدرك المملكة أن الأمن السيبراني يتطلب جهودًا متكاملة على الصعيد الدولي، لذلك تُعزز تعاونها مع الدول والمنظمات الرائدة في هذا المجال. وتشارك المملكة بفاعلية في المؤتمرات والفعاليات العالمية ذات الصلة، كما تبادر إلى إقامة شراكات استراتيجية مع جهات دولية متخصصة. ويُسهم هذا التعاون في تبادل الخبرات والمعارف والتنسيق المشترك لمواجهة التحديات السيبرانية المتشابكة.
وبهذا تؤكد المملكة من خلال هذه الجهود المتواصلة على التزامها الراسخ بتعزيز الأمن السيبراني كركيزة أساسية لاستقرارها وتنميتها الوطنية. فالاستثمار في هذا المجال الحيوي يشكل أولوية قصوى في ظل التحول الرقمي السريع الذي تشهده جميع القطاعات الحكومية والخاصة.
وبالتالي، فإن انعقاد مؤتمر بلاك هات 2024م مثَّل فرصة مهمة للسعودية لاستعراض دورها الرائد وتعزيز تعاونها الدولي في مجال الأمن السيبراني. ففي إطار هذا المؤتمر العالمي البارز، سلطت المملكة الضوء على إنجازاتها المتحققة في هذا المجال، وتستعرض خطط توسيع وتطوير قدراتها السيبرانية في المستقبل. كما تبنت السعودية خلال المؤتمر مبادرات هادفة لتعزيز التعاون الدولي وتبادل الخبرات والمعلومات الحيوية في مواجهة التهديدات السيبرانية المتنامية.
وفي هذا السياق، تؤكد المملكة على أن الأمن السيبراني يشكل أولوية استراتيجية في مسيرة التحول الرقمي الشاملة التي تنتهجها، انطلاقًا من رؤية 2030. فحماية البنية الرقمية الوطنية والحفاظ على سلامة البيانات والمعلومات الحساسة تُعد ضرورة ملحة لضمان استمرار التنمية والاستقرار في جميع المجالات.. وعلى صعيد أوسع، أبرزت المملكة من خلال مشاركتها الفاعلة في مؤتمر بلاك هات 2024م التزامها بالمساهمة في تعزيز الأمن السيبراني على المستوى العالمي. فالتهديدات السيبرانية باتت تتخطى حدود الدول وتُشكل تحديات مشتركة تتطلب تنسيقًا دوليًا متكاملاً. ولذلك، تسعى المملكة إلى تبادل خبراتها وأفضل ممارساتها مع الدول والمنظمات الشريكة، بما يُسهم في بناء منظومة أمنية سيبرانية أكثر متانة وفاعلية على الصعيد الإقليمي الدولي.
وفي الختام، تؤكد المملكة من خلال جهودها المتواصلة في مجال الأمن السيبراني على رؤيتها الثاقبة لأهمية هذا المحور الحيوي. فالاستثمار في تطوير البنية التحتية والخبرات الوطنية، إلى جانب تعزيز التعاون الدولي، يُمثل أولوية استراتيجية لضمان استقرار واستدامة التحول الرقمي الشامل الذي تنشده المملكة. وبذلك تؤكد المملكة موقعها الريادي في مجال الأمن السيبراني على الصعيدين الإقليمي والعالمي.