العقيد م. محمد بن فراج الشهري
الأحداث الجارية على الساحة اللبنانية تحتاج إلى علاج سريع غير قابل للتأخير.. كتبت مقالات عدة حول الوضع في لبنان منذ سنوات، على صفحات الجزيرة, وقلت ولا أزال أقول إن لبنان لن تعود له الروح ولا الحياة ولا الاستقرار حتى يكون له جيش واحد ونظام واحد ورئيس بعيد عن تكتلات الأحزاب ومماطلتها، والعودة السريعة إلى اتفاق الطائف، أو تسليم الجيش المهام كلها في لبنان، ونزع سلاح الميليشيات وتسليمة للجيش. وبدون ذلك لن تعود الحياة للبنان ولن تنعم بها.. وقلت إن الشعب اللبناني وحده هو الذي يقرر الحكم والطريقة التي يسير عليها باستقلالية، وعدم إتاحة الفرص لتدخل أي قوى خارجية في شؤونه، إذا أراد التخلص من هذه المعاناة المزرية، والمعيشة القاسية، وحالة الإحباط, واليأس والحزن التي ألمَّت به، وهو بين أخبار الكوارث المتكررة، وأخبار الانتخابات والاستحقاقات القادمة والماضية، وحكاية الثلث الضائع، والثلث المعطل في الحكومة، وأفلام الرعب وخطابات التهديد والترويع والترهيب، التي جعلت لبنان منذ سنوات يدور في حلقة مفرغة. حيث لا أمل له في الخروج من هذا النفق المظلم الذي أدخل لبنان بكافة طوائفه إلى حرب لا ناقة للشعب اللبناني فيها ولا جمل. والدستور اللبناني يقول إن «لبنان» دولة عربية الهوية والانتماء، وهو عضو قوي وعامل في جامعة الدول العربية، وملتزم بمواثيقها، وفي مادة أخرى تقول إن «لا شرعية لأي سلطة تناقض العيش المشترك»، وعلى حد علمنا لم يوضع دستور آخر يقول إن لبنان غير عربي، ولا أخرج لبنان من جامعة الدول العربية، وإنما هناك خلاف تاريخي على شرعية الدولة، والشرعيات الأخرى التي عرفتها لبنان مراراً عبر تاريخها الحديث، تتمحور حالياً حول الخلافات التي أدخلت لبنان في متاهات لا نهاية لها، وتسبب في كوارث أهانت الشعب اللبناني بكامل طوائفه، ولنسأل سؤلاً عابراً، ما الذي جناه لبنان من هذه الخلافات بين أحزابه حتى الآن؟
الجواب واضح وضوح الشمس في قارعة النهار، ولا يحتاج حتى إلى شرح أكثر ولا أدلة أو براهين. والسؤال الثاني لماذا تتناطح الأحزاب اللبنانية؟
والحل واضح ومعروف ومنذ زمن وهم مختلفون، يرفعون شعار العروبة، إما قناعة صادقة أو لأن الشعار صار «ترنداً» انتخابياً جيداً بالنسبة للبعض، وهم موزعون على أحزاب وتكتلات لم يجنِ منها لبنان أي خير، والدليل على ذلك بقاء لبنان منذ سنوات بدون رئيس، وهذا بحد ذاته خلل كبير، لم تستطع كل الأحزاب اللبنانية تجاوزه، بما جعل لبنان بكامل شعبه على حافة الهاوية أكثر من مرَّة، آخرها ما نشهده اليوم من الكوارث التي حلت بلبنان وشعبه المكلوم، فهل يرضى الشعب اللبناني بكل هذه الإهانات التي لحقت به، والتي أبعدته كثيراً عن عروبته، وسلبت منه شخصيته ومكانته العربية والدولية، وهل يرتضي الشعب اللبناني أن يبقي بلا رئيس ولا جيش موحد يحمي حماه ويدافع عن كرامته؟ وفي رأيي المتواضع لن يعم الأمن والسلام في أي بلد عربي توجد على أرضه (ميليشيات) خارجة عن هيمنة السلطة والجيش ولن يعيش شعبه بسلام والأمثلة كثيرة وواضحة.
وكذلك أقول كما قلت سابقاً، لن يعود لبنان إلى استقلاله التام وإلى عروبته، حتى ينتفض في وجه من سبب له كل هذه الكوارث، ويتم توحيد حكومة شرعية واحدة دون فلسفة الأحزاب، وتسليم القيادة لجيش واحد هو الجيش اللبناني، والعودة إلى اتفاق الطائف ففيه الدواء لكل مريض على أرض لبنان.. هذا إذا ما أراد اللبنانيون أن يعيشوا بسلام وحرية, واستقلال، وإلا سيكون مستقبل لبنان القادم أسوأ مما هو عليه الآن، وعلى اللبنانيين المخلصين والشعب كله أن يبدأوا هذا الأمر قبل فوات الأوان.