د. محمد عبدالله الخازم
تعد الوزارة ملخصاً إعلامياً يومياً تحت مسمى «ملخص النشر الصحفي» يلخص في صفحة واحدة، تقريباً، ما كتب حول التعليم والوزارة من أخبار ومقالات، يتم تصنيفها إلى إيجابي وسلبي. المواضيع السلبية -وفق ذلك التصنيف- تكتب باللون الأحمر وهي تلك التي تقدم رأياً أو تحليلاً أو نقداً، بينما الخضراء/ الإيجابية هي تلك التي تقدم المديح أو الإشادة. وصلني ذلك الملخص عن طريق الزملاء، من باب الدعابة بأن مقالاتي -غالباً- تصنف حمراء في ذلك التصنيف!
فكرة التصنيف والتلوين لفتت انتباهي بأبعادها وما تعكسه من طرق تفكير. مجرد وصم مقالات النقد بأنها سلبية يمنح صورة ذهنية بوجود حساسية أو امتعاض تجاه أي نقد أو مقترح أو رأي أو سؤال.
كيف يصبح النقد والتحليل وتقديم الرأي سلبياً لدى جهة أحد مهامها الرئيسة تنمية البحث والتفكير؟ أليس المفترض اعتباره علامة إيجابية أو في الحد الأدنى التعامل معه بحيادية وعدم تصنيفه/ الحكم عليه من العنوان؟
الخشية هو الدلالة التي تتجاوز مجرد تصنيف عابر يستخدمه موظف العلاقات لتزيين (إنفوجراف) التقرير، إلى عدم فهم وتقبل الرأي الآخر وعدم استيعاب فلسفة كتابة الرأي وما يحويه من تحليل ونقد وتساؤل وأفكار. أي أنه لا يفرق بين مهام كاتب الرأي كواصف ومحلل وناقد ومثير للأسئلة، ومهام موظف/ كاتب العلاقات العامة المعني بالمديح وتزكية وترويج عمل الجهة المعنية التي يعمل بها أو يتعاون معها.
يصعب اعتبار الأمر مجرد محاولة اختصار التقرير في صفحة واحدة والمقال في جملة واحدة، لأنه يقود بشكل واع أو دون وعي إلى أداة حجب، تبعد قيادات الوزارة وموظفيها والجهات المرتبطة بها عن قراءة ما ينشر ويكتب من رأي وملاحظة ونقد. من مبدأ «يكتفى بالعناوين» ولا أحد يود قراءة أمور سلبية ..
الأمر مقلق كذلك من الناحية العلمية، عندما نقر تدريس التفكير الناقد والفلسفة وغير ذلك من المقررات الجديدة التي تخاطب عقول جديدة نطالبها بتعلم التفكير وقبول الرأي الأخر. ماذا يعني تعليم طلابنا أمورا نحن لا نطبقها؟ كيف نعلم العقول الناشئة قبول الرأي الآخر والنقد، بينما نحن نصنفه سلبياً وتصفه بالسلبي من مجرد عنوانه؟
أقدر عمل جميع القطاعات، لا أفرض وجهة نظري على غيري ولا أدعي تفردي بالأفكار، أعذر الآخرين لأنهم يريدون (المديح) او التركيز على الإيجابيات (في قول ملطف) وتلك ليست مهمة الناقد المستقل.
مهمتي هي التحليل وطرح وجهة نظر أو رأي أو تساؤل أو فكرة، قابلة للنقاش، وفق طريقتي في الكتابة والعرض والحجاج. في الطريق إلى تقديم فكرة/ ملحوظة/ تساؤل يتطلب الأمر وصف أو تحليل الواقع وتبيان نقاط الضعف فيه، وإلا لماذا نقدم ملاحظة/ فكرة جديدة إذا اعتقدنا بأن كل شيء مكتمل؟! هذا ما أفعله في مقالة الرأي، أعرض مشكلة أو ملاحظة، أحللها وأسبر أغوراها ثم أقترح حلولاً أو تساؤلات حولها. عدم إدراك البعض لذلك يعني أن التعليم أو الشهادة العلمية التي كان أحدد اسسها البحث والتحليل لم يغير كثيراً في سلوكهم الأولي وردات فعلهم.
أخيراً، هل تتوقعون تصنيف مقالي هذا أحمر أو أخضر؟
إن مدحت التقرير الإعلامي وألوانه الجميلة وأرقامه سيكون اللون أخضر، أما تحليل الموضوع والذهاب إلى ما هو أبعد من الشكل فاللون أحمر والوصم سلبي. أحب الأخضر لكن حظي ليس أخضراً على الدوام، لذا أقبل الرمادي وحتى الأحمر، مالم يصل الأمر للطرد كما في ملاعب الكرة. وفي النهاية، أحسن النية بأن التصنيف للمقال وليس لشخصي المتواضع!