محمد سليمان العنقري
قبل أيام قليلة نقل الاعلام تصريحاً هاماً وملفتاً للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب حول نيته فرض رسوم بنسبة 100 بالمائة على الواردات من دول مجموعة بريكس التي تقودها الصين وروسيا إذا ابتعدوا عن استخدام الدولار كعملة احتياط وتجارة بينهم وينتظر العالم قراره بهذا الشأن عندما يبدأ ولايته الثانية غير المتسلسلة بعد حوالي 45 يوم فدول بريكس هي الاكثر سكانا في العالم بفضل وجود الصين والهند فيها وتستحوذ على قرابة 35 بالمائة من حجم الناتج الاجمالي العالمي وتتمتع دولها باعلى معدلات نمو اقتصادي وتتفوق على مجموعة السبع الكبار، وأيضاً على الدول الغربية بهذه الجوانب الحيوية التي تجعل الاستثمارات تنجذب لبريكس اكثر نظراً لسرعة عودة رأس المال المستثمر.
إن دفاع الرئيس ترمب عن الدولار وتهديده لدول ضخمة سكانياً واقتصادية ولها عملاتها المهمة وثقلها الدولي ليس امراً عابراً بل يعبر عن ان الدولار هو حجر الزاوية بفيدرالية اميركا، وسبق ان تناولت موضوعاً عن أهميته لهم قبل عامين بمقال عنوانه «حجر سنمار والدولار» فديون اميركا السيادية تجاوزت 35 تريليون دولار اي ما يعادل 130 بالمائة من ناتجها الاجمالي بينما كان دينها السيادي عام 2010 يقارب 59 بالمائة فقط اما مع ديون الشركات والافراد فالارقام فلكية، وهي ضعف دينها العام على أقل تقدير ولا يحمي الدولار اليوم بدرجة اساسية سوى الطلب العالمي عليه؛ فهو مازال العملة الاكثر موثوقية بالعالم ويشكل حوالي 59 بالمائة من حجم الاحتياطي العالمي وكذلك التجارة الدولية والاقتراض فقد جرب بأزمات واحداث كثيرة على مر العقود الماضية وبقي صامداً ويعد تهديد ترمب الاستباقي لدخوله البيت الابيض من عناوين المرحلة القادمة التي يمكن تسميتها بمرحلة « كسر العظم» بين أميركا والأقطاب الصاعدة حالياً، فإما أن تبقى اميركا القوى الاكبر عالمياً او تكون بداية أفول عصرها الذهبي، ولذلك سيستخدم فائض القوة الهائل لدولته اقتصادياً وسياسياً وحتى عسكرياً لمواجهة اي مشروع تكون اميركا بنهايته في مرتبة ثانية او ثالثة عالمياً، ومايدل على خطورة اي تراجع باستخدام الدولار عالمياً أنه وضع رقماً كبيراً للرسوم رغم ان ذلك يعني اثراً بالغاً على الاقتصاد العالمي والتضخم في اميركا، لكن المصلحة العليا تقتضي قرارات مؤلمة حسب وجهة نظره..
كما أن الأحداث التي بدأت بالشرق الأوسط منذ أكثر من عام، وأعلن فيها عن سحق ما يسمى محور الممانعة ليست ببعيدة عن معركة حماية الدولار فالهدف بنهاية المطاف إيجابي للمنطقة بعودة الاستقرار والسلم لها بعد أن دمرت الفوضى عدة دول مهمة فيها مما يسمح باقامة تحالفات تجارية بين اميركا والمنطقة عامةً، لكن أيضا ما تسعى له اميركا هو تحجيم دور أي قوى ساعية لالاقات واسعة ومتعددة الجوانب وخصوصاً الصين مع الشرق الاوسط ليقتصر على حدود منافعها التجارية الحالية وليس ترسيخ تحالفات ذات ابعاد واسعة خصوصاً مع ايران حيث وقعت اتفاقية استراتيجية بينهم قبل سنوات قليلة؛ لأن ذلك يعني نجاح طريق الحرير وزيادة الطلب على اليوان الذي مازال يشكل نسبة محدودة جداً من حجم الاحتباطي العالمي بحدود 2 بالمائة لكنه الاكثر نموا بين العملات كطلب عليه بمعدل فاق الضعف خلال اخر خمسة أعوام واذا ما استمر بهذا الزخم فسيصل لنسبة معتبرة دولياً قد تقارب مستويات اليورو الحالية عند 19 بالمائة من الاحتياطي العالمي في غضون 15 عاماً وحتماً سيكون ذلك على حساب الدولار فالصراعات الدولية الحالية بما فيها احداث الشرق الاوسط لا يمكن فصلها عن المواجهة الامريكية الصينية فهي تفاصيل في الطريق نحو الهدف الذي تسعى له اميركا بأن لا يتربع على عرش قيادتها العالمية احد، وهي ترى في الصين الدولة المهددة لها رغم أن الاخيرة لم تعلن اي حرب تجارية او غير ذلك اتجاه اميركا، بل هي من اكبر المستثمرين بسنداتها والسوق الامريكي هو الاكبر للصين، ويهمها بقاء قوته الاستهلاكية لكن هي النزعة التي تتملك القوى الكبرى عندما تسود فهي تشعر دائماً بالقلق على مكانتها وتضع الخطط لمنع فقدانها وتدرس كل الاحتمالات وترصد تطورات دول العالم لتعرف من هم منافسيها المحتملين
لن تختلف إدارة الجمهوريين القادمة عن الديمقراطيين الحالية في حماية الدولار ومواجهة أي قطب يهدد مكانة أميركا عالمياً لكن لكل مرحلة ظروفها وعناوينها العريضة، ولذلك تعد السنوات الأربع القادمة مهمة جداً للعالم؛ حيث ترتسم فيها معالم القطبية الجديدة ومراكز القوى الدولية والفوارق الاقتصادية والتكنولوجية في العالم التي تمثل ميدان المنافسة الحقيقي بينهم.