محمد بن عيسى الكنعان
يوم الأحد الأول من ديسمبر 2024م (29 جمادى الأولى 1446هـ) شهدت عاصمتنا الغالية انطلاق أولى عربات قطار الرياض (مترو الرياض)، الذي تفضَّل بافتتاحه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود مساء يوم الأربعاء 27 نوفمبر 2024م، وباهتمام ومتابعة من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء - حفظهما الله -؛ حيث شكَّل هذا الحدث الكبير نقلةً نوعيةً في النقل العام على مستوى مدينة الرياض والمملكة بشكل عام. وقطار الرياض - الذي يُعد أحدث مشروع قطارات عالميًا وتشرف على تنفيذه الهيئة الملكية لمدينة الرياض - هو جزء محوري من مشروع الملك عبدالعزيز للنقل العام، والقطار (المترو) يعتمد على نظام التشغيل التلقائي (الأوتوماتيكي - بدون سائق)، ويتكون من عربات يصل تعدادها إلى 338 عربة، تعمل على ستة مسارات (محاور) رئيسة، بألوان مختلفة، بحيث تغطي الرقعة الجغرافية العمرانية لمدينة الرياض، والمسارات هي: (الأصفر - الأزرق - الأحمر - البرتقالي - الأخضر - البنفسجي)، بطول إجمالي 176 كيلومتراً، وتتوزع على جميع مساراته 85 محطة، مزوَّدة بخلايا شمسية تسهم في توليد (20 %) من احتياجاتها الكهربائية، كما أنها مجهزة بخدمة (الواي فاي) التي تغطي حتى المحطات والخطوط التي تعمل تحت الأرض، ويتراوح عمق بعضها ما بين (20 - 35 متراً). كذلك هناك أربع محطات رئيسة عند تقاطع مسارات القطار، إلى جانب خمس محطات تحويل بين المسارات، وبذلك تتشكَّل شبكة نقل متكاملة تُديرها خمسة مراكز تحكم، وتتكامل مع شبكة الحافلات مشكلةً منظومة النقل العام لمدينة الرياض. الطاقة الاستيعابية للقطار (المترو) مع بداية التشغيل مليون و200 ألف راكب، ومن المتوقع أن تزيد إلى ثلاثة ملايين و600 ألف راكب خلال السنوات العشر المقبلة.
لا شك أن هذا المشروع الجبار سيُسهم بشكل مباشر - بإذن الله - في إيجاد حلول فاعلة لتنقلات سكان مدينة الرياض، أو القادمين إليها؛ كون مسارات القطار تغطي المناطق ذات الكثافة السكانية، والمنشآت الحكومية، والأنشطة الصحية، والتعليمية، والتجارية، والمناطق الترفيهية، فضلاً عن شوارع الحركة المرورية العالية وميادينها. لهذا كانت المؤشرات الأولى لانطلاق المترو إيجابية، وإقبال الناس عليه فاق التوقعات رغم أن البداية كانت فقط لثلاثة مسارات: (الأصفر، والبنفسجي، والأزرق). وباقي المسارات ستعمل تباعًا -بإذن الله - وفق خطة التشغيل التتابعي (المساران: الأحمر والأخضر يوم الأحد 15 ديسمبر - 14 جمادى الآخرة)، أما المسار البرتقالي فانطلاقه (يوم الأحد 5 يناير 2025م 5 رجب 1446هـ). من هنا نقول لكل من يحكم بنظرة سلبية، أو يحمل نفس متشائمة، أو يزعم أن الإقبال مجرد موجة عابرة بسبب مشاهير التواصل الاجتماعي، أو بسبب محبي التصوير وتوثيق اللحظة الأولى، نقول كن متفائلاً وثق بالمنجز، فمن الطبيعي حضور هؤلاء، بل نستغرب إن لم يحضروا، لكنهم قطعًا لا يشكلون الغالبية العظمى من الذين ركبوا القطار للتجربة الفعلية، التي سيبنون عليها تخطيط حركة تنقلاتهم في قادم الأيام، سواءً للعمل، أو الدراسة، أو التسوّق، أو التجوال هنا أو هناك. وهذا يفسر إقبال طلبة الجامعات والمسافرين على القطار (المترو) في يومه الأول.
إذاً المسألة مسألة وقت، وبإذن الله لن يكون طويلاً، حتى يتقبل الناس، ويرتفع لديهم مستوى الوعي بأهمية التنقّل عبر القطار، خاصةً أن كثيراً منهم قد سافر وشاهد أثر قطارات النقل العام على الحياة اليومية للبلدان التي زارها أو عاش فيها. ناهيك أن مجتمعنا اعتمد لعقود طويلة على وسيلة نقل واحدة هي السيارة، بل تجذرت كممارسة يومية؛ فصارت حياته مرتبطة بالسيارة حتى غدت ثقافة راسخة، وهذه الثقافة لا بد أن تتغيّر وتحتاج إلى وقت، ولكن التغيير المستهدف سيتحقق -بأمر الله- وبشكل أسرع- عندما نستخدم القطار، ونلمس بشكل مباشر الخدمة الراقية التي يوفرها، وسهولة الاستخدام، وسرعة الوصول، وتوفير الوقت، وقلة التكلفة، وراحة الأعصاب بعيدًا عن السيارة، ولعل الأشخاص الذين ظهروا في الإعلام ومنصات التواصل وتحدثوا عن الفارق الكبير الذي وجدوه في القطار مقارنةً بالسيارة خلال تنقلهم من العمل أو الجامعة إلى منازلهم أو العكس يؤكد أن القطار سيكون مسار التغيير لثقافة مجتمعية بأهمية النقل العام. بقي الإشارة إلى أن إحدى الجهات بادرت بتوفير حافلات ترددية لمنسوبيها من مقر العمل إلى محطة القطار القريبة، وهذه لا شك خطوة رائدة ونموذج يُحتذى. كما لا يفوتني الإشارة إلى أن طلبة جامعة الملك سعود ومنسوبيها يتطلعون إلى حافلات ترددية تأخذهم من محطة القطار رقم (11) على المسار الأحمر على طريق الملك عبد الله - بعد تشغيل المسار - إلى الجامعة والعكس، لأن المحطة ليست داخل الجامعة أو عند بواباتها الرئيسة.