ناهد الأغا
لغة إذا وقعت على أسماعنا
كانت لنا بردا على الأكباد
سيظل رابطة تؤلف بيننا
فهي الرجاء لناطق بالضاد
لغة الضاد الوحيدة الفريدة التي خصها الله جل في علاه بالمنزلة الرفيعة والمكانة العالية بين لغات العالم؛ هي أم اللغات في أحشائها الدر كامن غاص الشعراء بها وصاغوا القصائد قلائد من صدفاتها، يثمنها الذين يقدرون قيمتها أبناء الرياض العظيمة الذين يسعون دائما إلى الرفعة والمجد. على أرض رياض المحبة والوئام انطلقت فعاليات مهرجان الغناء بالفصحى 2024 في دورته الرابعة ليجمع عبق التراث العربي وأصالة اللغة في روضة العاشقين لها. فالشعر العربي في أساسه مغنى فما بالك إذا لحن وصدحت به الحناجر الذهبية لتحافظ على عراقته وتطرب الجمهور به؛ في أجواء متميزة ضمن موسم الرياض استضاف المهرجان نخبة من نجوم الفن العربي الذين قدموا أمسيات رائعة بغنائهم لقصائد الشعر الفصيح الذي يعكس تنوعا ثقافيا يليق بمكانة اللغة العربية، هذا الحدث الثقافي اللغوي يأتي في إطار الاحتفاء بجمال اللغة الفصحى وتقديمها بأسلوب معاصر يصل إلى الجمهور العربي والعالمي على حد سواء.
مهرجان الغناء بالفصحى امتداد لرؤية المملكة العربية السعودية 2030 لتعزيز مكانة اللغة كجزء من الموروث الثقافي العربي والتنوع الفني والفخر بها؛ هو تجربة فنية متطورة تبرز جمال اللغة وتبهر العالم بمكنوناتها وقدرتها على الإفصاح عن المشاعر الإنسانية والتأثر بها ودعم الهوية الثقافية وجعل الفن وسيلة لإبراز التراث العربي بروح عصرية تجذب مختلف الأجيال وتحثهم على الاعتزاز بلغتهم الأم كركيزة أساسية للحوار والتبادل الثقافي. يعد مهرجان الغناء بالفصحى حدثا فنيا وثقافيا ليس على مستوى الوطن العربي فحسب بل على الساحة الدولية حيث يجذب عشاق الفن والتراث من مختلف أنحاء العالم للاستمتاع بها حين يغرد الصوت وتتراقص الكلمات في لحظة عناق شغوف بين اللحن والكلمة.
تزامن مهرجان الغناء بالفصحى هذا العام مع مشاركة مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية الذي يسهم في إبراز دور الفن في خدمة اللغة العربية بجذورها وأصولها ومكانتها وقدرتها على الإبداع والابتكار؛ هذه المشاركات تعزز التوجهات الاستراتيجية للمملكة نحو توثيق الثقافة العربية والحفاظ على اللغة وحمايتها من أي شائبة. شهدت الليلة الافتتاحية في مهرجان الغناء بالفصحى أجواء ملهمة وآخاذة سحرت الألباب والتي أقيمت في مركز الملك فهد الثقافي في الرياض حيث بدأ الحفل الفنان عبدالرحمن محمد بأسلوب عاطفي وشجن متفرد في الأداء قصيدة «قولوا لها» فاستطاع أن يمتع الجمهور بأدائه المميز عبر صوته الرقيق المفعم بالإحساس ليصنع لحظات فنية جميلة اخذت الحضور في رحلة حالمة بين سطور الشعر الفصيح وأنغام العذوبة؛ أما الفنان التونسي صابر الرباعي فقد خلدت اغنية «النهر الخالد» في قلوب الجمهور لما أبدوه من انسجام مع كلماتها وألحانها وأدائه الجميل؛ وأضفى ماجد المهندس مهندس الروح الموسيقية لمسته الفنية على فقرته الغنائية برائعته «شكرا لأنك في حياتي» التي ألهبت المشاعر وأججت الأحاسيس بصورة تفوق الخيال. وبصوته الهادر طربا أطرب الجمهور الفنان لطفي بوشناق بقصيدته «سعودي وعشق الأرض نبضي» إذ عبر فيها عن رسالته الإنسانية والوطنية، وقد أضافت جمالا ورونقا وهيبة على المسرح والجمهور؛ وتألقت مي فاروق بأداء مقاطع غنائية شهيرة من بينها «مضناك» والتي أظهرت الطابع الأصيل على أجواء المهرجان. أمسيات المهرجان كانت تجسيدا للإبداع العربي الفصيح عندما امتزجت فيها الكلمة الأصيلة باللحن العريق بروحانية الأداء التي نثر فيها الفنان العراقي كاظم الساهر لآلئ درره فقدم باقة من أجمل أغانيه باللغة العربية الفصحى بأداء لا يصل إلى مرتبته أحد من فناني عصرنا الحالي فقد أبهر الجمهور الذي راح يردد كلمات أغانيه ويعيش لحظات من الامتزاج الروحي بإحساس مفعم بالاندماجية مع هذا الطرب الموغل في الأصالة عندما بلغ ذروته في مقطع «من قال لا يبكي الرجال» الذي هز كيان الرجال والنساء وحتى جدران المسرح؛ كل ما قدمه الفنانون متع الجمهور السعودي الذي يعشق الفن الأصيل ويقدر إبداعات الفنانين الذين يحافظون على التراث الموسيقي العربي ويحتفون بجمالية اللغة العربية؛ وهكذا اختتمت هيئة الموسيقى النسخة الرابعة من مهرجان الغناء بالفصحى من خلال ليلتين أقرب إلى الخيال بما قدمه النانون من قصائد امتزجت بأجمل الألحان وعمق الأحاسيس وروعة الأداء؛ هذا الاحتفاء بالشعر العربي من خلال ربطه بالموسيقى حقق نجاحا باهرا على مدى ثلاث دورات ماضية وتوج بالتفوق في هذه الدورة الرابعة وستستمر نجاحاته بإذن الله في الدورات القادمة بجهود أبناء المملكة العربية السعودية الأفاضل.
جزيل التحية والشكر لهيئة الموسيقى وجميع المنظمين والقائمين على روعة مهرجان الغناء بالفصحى في مملكتنا الحبيبة.