د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
جاء قطار الرياض يهطلُ مبتهجا يعانق تاريخ الرياض التي تزداد وهجا عاما إثر عام؛ تصنع باحترافية عالية وبتراكمية مذهلة المفهوم الأصيل لجودة الحياة!
ويبقى للرياض طعم خاص ولأديمها رائحة خاصة ولكيانها وحياضها ملامح خاصة وكل احتفاءات الرياض بالمنجز الوطني استثناء ووفاء، وفي لحظات الرياض الفاخرة نرقبُ وثبها بكل الشوق؛ فالرياض قصيدة اشتركنا جميعا في نظمها:
«هذه هذه الرياض تجلّتْ
تتحدّى زُهْرَ النجومِ خصوبة
برعتْ في بنائها كفُّ سلمان
فكانت كفَّ الصناع الأريبة»
وهنا في الرياض وفي مستهل شهر ديسمبر الجاري 2024 عبَرَ قطار الرياض مفاصل الرياض بحبور وثقة واعتداد وعدة وعتاد بمنجز حضاري يضم 6 خطوط رئيسة وبطول إجمالي مقداره 176كم و85 محطة وفق أعلى المواصفات الهندسية ؛ فالتقى القطار بمرآيا الرياض وهي فارهة لاستقباله تعكس الحلمُ الكبير في الوطن الكبير المملكة العربية السعودية وعندما احتضنت كل المرآيا قطار الرياض «جاء يختال ضاحكا حتى كاد أن يتكلما» والحقيقة أن الرياض العاصمة الفاخرة تميزتْ في هذا العهد الزاهر بزهو مختلف على صفحات تاريخ بلادنا الحبيبة؛ وكل منجز يُغرسُ في الرياض يصبح رواء وحيوية ويملأ الدنيا؛ فهناك عشر سنوات هي الفاصل بين فكرة قطار الرياض كداعم فخم للنقل العام وبين حضوره المهيب الآن في عقل الرياض ووجدانها وذلك في القياسات العالمية صدارةٌ وسبق لم يتسنَ لغير قطار الرياض لأنها مختلفة أثيرة؛ فكان القطار إضافة كبرى للحجم الحضاري الذي يتجسد في الرياض كعاصمة عظيمة.
ولقد كان افتتاح مشروع قطار الرياض من قبل خادم الحرمين الشريفين حفظه الله وشاح وحلة قشيبة واحتفاء بالوطن كله فالذي تحقق هنا في الرياض صورة أخرى لما يتحقق في الوطن الكبير. فمن المنظور القريب سوف يدشن القطار شرايين جديدة لتحقيق الارتباط المستديم مع العمران عندما يكون محركا للتنمية؛ وإذا ما اتسق قطار الرياض مع منظومة النقل العام فهو حتما سيجلب ذهنية عمرانية جديدة لمدينة الرياض ونتمنى أن يعيد قطار الرياض تشكيل الخريطة اجتماعيا واقتصاديا كما استطاعت قطارات المدن الكبرى في العالم إعادة التشكيل العمراني واستيلاد فكر حضري جديد!
والتطلعات الأولية للمردود المباشر من قطار الرياض أنه صديق للبيئة فالانبعاثات الكربونية قليلة مقارنة بالمركبات الأخرى حيث يسير القطار بمحركات ذات تقنيات حديثة مما ينعكس على الصحة العامة؛ ومن المؤمل أن يسهم القطار في فك الاختناقات المرورية والاسهام في حل مشكلة الازدحام المتولد عن كثرة المركبات؛ وحيث إن استطلاعات الرأي العام سجلت أن 35 % من السكان عازمون على التنقل عبر القطار فإن ذلك حتما سوف يحقق مستهدفا مطلوبا من الجميع مما يؤثر على ضخ الحيوية في الأمكنة فتصفو الأزمنة ومن المؤمل أن يؤثر قطار الرياض ومحطاته على النشاط العمراني حوله، ودور جدير بالمرور عليه وهو دور البلديات في أنسنة الشوارع لتدعم مسيرة القطار من خلال حركة المشاة التي تمهد للوصول إلى محطات القطار وتطوير البنية التحتية التي تقع محطات القطار في نطاقها بصورة عامة مثل توفير مواقف للسيارات والدراجات وكذلك ممرات للمشاة؛ وأجزم أن قطار الرياض سيحمل رايات حديثة لمفهوم النشاط التجاري فتزهر الأماكن حول محطات القطار حيث إنها نقاط جذب ليس لسكان تلك الأحياء فحسب إنما تشمل الزوار أيضا والمارين بها والفائدة الأكبر ستكون للاستثمارات المحلية وإيجاد وظائف جديدة ومن المنطلقات المنتظرة بعد انطلاق قطار الرياض أن يسهم في الوصول الآمن للخدمات الأساسية التي ينشدها المواطنون والمقيمون مثل المدارس والمستشفيات والأسواق على اختلاف نشاطاتها.
وختاما فإن قطار الرياض يعدُّ أسلوبا حديثا لتطوير أنظمة النقل العام في أنحاء بلادنا كما أنه نموذج حديث للتطوير الحضري!
لقد استوعبتْ الرياض كل ذلك الضوء حين انطلاق قطار الرياض، وحتما هناك زهو آخر ينتظر الرياض وتنتظره بإذن الله..