أجرى الحوار - عوض مانع القحطاني:
هناك من نالوا ما يطمحون إليه فخدموا دينهم ووطنهم.. وأثبتوا وجودهم حتى نالوا ما يستحقون من التكريم والتقدير..
رحلتنا في هذا الحوار مع الأستاذ زارب بن سعيد القحطاني وكيل إمارة المنطقة الشرقية سابقا، الأستاذ زارب 47 عاما من العطاء والعمل الدؤوب ما بين وزارة الصحة وإمارة المنطقة الشرقية وفيما يلي عرض لرحلته مع العمل وقضايا أخرى، فماذا قال لنا في حواره مع «الجزيرة» رجال خدموا الوطن..
* أين كانت النشأة؟
- النشأة في المنطقة الجنوبية بمحافظة أحد رفيدة في قرية آل مكر بالفرعين.. نشأتي في هذه القرية الزراعية وهي منطقة ريفية تهتم برعي الأغنام والأبقار والجمال والزراعة، مثل حبوب الذرة والبر والشعير والحمضيات.
غادرت قريتي وأنا عمري 17 عاما وتسعة شهور إلى المنطقة الشرقية وكانت رحلتي من الجنوب إلى الشرقية صعبة جدا عبر البر ووسائل نقل من السيارات القديمة مليئة بالأغنام والأبقار والبشر واستمرت الرحلة أياما فيها من التعب والجوع..
* رحلتكم مع البحث عن العمل.. كيف كانت؟
- رحلتي في البحث عن العمل كانت سهلة جدا، حيث إنني حاصل على الابتدائية وكنت من الأوائل على منطقة عسير وأملك خطا جيدا.. أخذت أبحث عن وظيفة فعرض علي وظيفة مراسل في الشؤون الصحية بالمنطقة الشرقية فقبلت تلك الوظيفة لحاجتي للمادة لكي أصرف على نفسي وأهلي وقبلت بها.. وقلت خيرا وبركة رغم أن الشهادة الابتدائية في ذلك الزمن تعادل البكالوريوس حاليا.. وعندما قابلت مدير الشؤون الصحية ورأى خطي واتقاني للغة قال هذا الشخص يصلح (كاتبا) وقد تدرجت في هذه الوظائف بالمنطقة، بدأتها بوظيفة بسيطة.. ولم يكن لدي بأس.. بل كان عندي طموح وكانت حاجتي وحاجة أهلي هي من قادتني لبناء مستقبل مشرق لي وأسرتي.. من مراسل حتى وصلت إلى قمة الوظائف في المنطقة الشرقية.
* الإنسان إذا أخلص سيجد كل الدعم
وأريد أن أقول: إن الإنسان إذا كافح وبنى له مستقبلا سوف يجد ما يتمناه وهناك من وقوفوا معي في حياتي سواء من عملت معهم أو زملاء.. فإذا أخلصت في العمل سوف تجد كل الدعم والمساندة وأهم شيء أن تخاف الله فيما يسند لك من أعمال.
* حدثنا عن المسيرة التعليمية بعد التحاقكم بالعمل الحكومي؟
- كان عندي طموح وأنا على رأس العمل أن أحصل على أعلى الشهادات، فقد حصلت على المتوسطة في الدمام والثانوية في الدمام (ليلي)، أعمل في النهار وأدرس في الليل، ثم بعد ذلك انتقلت من الدمام إلى الرياض بعد 8 أعوام من العمل والدراسة.. ثم عشرة أعوام في الرياض حصلت على البكالوريوس في الدراسات الاجتماعية من جامعة الرياض المسماة حاليا بجامعة الملك سعود.. ولمثابرتي في العمل وإخلاصي تم ترشيحي للدراسة في معهد الإدارة للحصول على الماجستير في الرقابة المالية..
* كم عندك من الأولاد؟
- عندي من الأبناء 3 و7 من البنات وهم متفوقون في حياتهم الدراسية والعملية ورزقني الله بزوجة صالحة هي من قامت برعاية أبنائها وبناتها والرقابة عليهم لظروف عملي وهي من ساعدتني في حياتي الوظيفية.
* هل واجهت مصاعب في رحلة البحث عن العمل؟
- البحث عن وظيفة لم أجد صعوبة في ذلك الوقت لأنني كنت أحمل الابتدائية وبتقدير ممتاز وخلال شهر من البحث حصلت على المكان الذي أرغب العمل فيه في مجال الشؤون الصحية، المصاعب هي كيف تنتقل من وظيفة إلى وظيفة وأنا ولله الحمد أعطيت وطني بكل إخلاص وتفانٍ وهذا هو واجبي الديني والأخلاقي أنك تخلص في عملك.
* الانتقال من القرية إلى المدينة الكبيرة مثل المنطقة الشرقية.. كيف وجدت الشرقية عندما وصلت إليها.. وكيف تنظر لها حاليا؟
- عندما وصلت الشرقية الشيء الذي تفاجأت به شاهدت التلفاز في أرامكو وقد أبهرني ذلك ثم رأيت المدارس والجامعات والمستشفيات والمطاعم والشوارع.. خاصة أنني غادرت منطقتي ولم يكن فيها إلا أمور بسيطة ولكن شاهد الشرقية الآن كيف أصبحت حتى في نظر العالم بلد الخيرات، بلد الصناعات المتطورة والمتحضرة ومن أهم مناطق المملكة انظر كيف ترى قريتي ومنطقة عسير.. كيف ازدهرت وتطورت من جميع الخدمات وهذه نقلة نوعية في حياة هذا البلد وأهله وأصبحنا نقارع الدول المتقدمة ولدينا حياة من الأمن ورغد العيش وعلينا أن نحمد الله على هذه النعمة وتتميز المنطقة الشرقية بأن فيها جميع قبائل المملكة ولا تحس بأنك في منطقة تخصك.. الشرقية اليوم منطقة عمل..
* ماذا تعلمت من عملك في هذه الحياة؟
- تعلمت الصبر والمثابرة ولا يمنّ أي إنسان أي جهد يعمله في هذه الحياة، اعمل بإخلاص وأترك الأمور لله.. وقد وجدت نتائجها وأنا محظوظ أنني عملت مع رجال أخذوا بيدي وعلى رأسهم أمير المنطقة الشرقية الأمير محمد بن فهد، فهو يقدر الرجال الذين يعملون بإخلاص.. ولا يحسبون الوقت أي كم يعملون؟ يعملون في الليل والنهار ومن تقديرهم لنا زاد عطاؤنا.
* كيف التحقت بالعمل في الإمارة؟
- عملت فيها 26 عاما في الشؤون الصحية وقد تدرجت في الشؤون الصحية حتى وصلت مساعد مدير عام الشؤون الصحية المالي والإداري بالمنطقة الشرقية، بعدها تم ترشيحي للعمل في الإمارة وقد رشحني الأمير محمد بن فهد لمنصب وكيل الإمارة وقد استفدت منه التوجيه السليم والمتابعة.
* عندما قابلت أمير المنطقة ماذا قال لك؟
- قال لي كلاما مهما.. أنا وأنت في خدمة المواطن وإعطائه ما يطالب به دون تمييز.. وقال كلمة أخذت بها وقال أنا ما أبغى أي شخص يأتي للإمارة شاكيا منك.. أنا أريدهم يأتون شاكرين لك ولعطائك وهذه توجيهات ملوكنا.. أريد الأبواب مفتوحة أمام المراجعين.
* ما هو أصعب موقف مر عليك بحكم عملك هناك؟
- حادثة إنسانية، وهي أنني تلقيت بلاغا من الدفاع المدني يبلغني فيه بأن هناك حريقا في عرس في محافظة القطيف وقد اتصل بي أمير المنطقة الشرقية عن ذلك الحريق الكبير وطلب مني الذهاب إلى موقع الحريق وأن أجمع كافة المسؤولين وأن نعد تقريرا شاملا عن أسباب هذا الحريق.. لرفعه إلى أمير المنطقة ووزارة الداخلية وقد كان سبب الحريق أن هذا العرس كان في خيمة وقد نتج عن ذلك وفاة أعداد من الأشخاص والإصابة لحقت بأعداد أخرى كبيرة تم نقلهم لجميع المستشفيات وقد تبرع الأمير محمد بن فهد بمبلغ 100 ألف لكل أسرة توفت أو مصاب من حسابه الخاص..
* ماذا بعد حريق هذه الخيمة؟
- عندما علم الأمير عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- كان وليا للعهد.. وجه بإنشاء أكبر صالة زواج في محافظة القطيف للأعراس بدل الخيام وكان وقعها في نفوس الناس له الأثر الكبير لسكان القطيف.
* ما هو القرار الصعب الذي اتخذته عندما كنت على رأس العمل وندمت عليه؟
- لم أندم على شيء أثناء عملي لسبب واحد هو أنني لست من الأشخاص المندفعين والمتسرعين فأنا دائما استشير وآخذ توجيهات المسؤولين قبل تنفيذ أي قرار اتخذه وبالتالي الأخطاء ستكون محدودة.
* ما هو القرار الذي تمنيت أنك اتخذته قبل أن تتقاعد؟
- ما فيه شيء تمنيت أن أنفذه خلال عملي إلا ونفذته حسب قدرتي.
* كم ساعة تقضيها في مكتبك؟
- أنا لا أجلس في مكتبي طوال اليوم، بل آخذ ساعات وأتجول في جميع المكاتب واستمع لشكاوى المواطنين وهذه صفة أكسبتني حب من يعملون معي وهناك زيارات شبه يومية لجميع الأقسام وتعرفت على الموظفين المبدعين، أحد المسؤولين قال لي كلاما ولكني لم آخذ به قال هذه الجولات في المكاتب والجلوس مع الموظفين تقلل من هيبتك ورددت عليه قائلا: أنا مواطن وسوف أذهب لخدمة المواطن وهي شرف لي أن أقف على حاجات الناس ومتابعة العمل ميدانيا لا يقلل من هيبة المسؤول.
* أنت التقيت بالملك سلمان في عدة اجتماعات عندما كان أميرا لمنطقة الرياض ماذا تقول عن هذه اللقاءات؟
- الملك سلمان -حفظه الله- جامعة نادرة، حيث عاصر جميع الملوك واشترك معهم في كل شيء والملك سلمان لديه فطنة غير عادية، أنا تلقيت منه مكالمة وهو خارج المملكة وطلب مني موضوعا معينا وبالفعل تم إعداد تقرير مفصل عن هذه القضية وقد شرّفني الله أن اجتمع معه (15) اجتماعا والمفاجأة أنه يسأل وكلاء الإمارات في مناطقهم عن أمور لا يعلمون عنها، فأصبح وكلاء الإمارات يحتاطون عن أي سؤال قد يسأل عنه الملك سلمان، فهو دقيق ومعلوماته تفوق الوصف وهو مدرك لأي قضية تقع في المملكة.
* ما هو الشيء الذي تعتز أنك أنجزته؟
- أي عمل أنجزته يعود الفضل فيه لهذه الدولة، لأنها أعطتنا كل شيء وسخرت لنا كل الإمكانات والشيء الذي أعتز به أنني عملت نقلة في الخدمات الصحية في المنطقة الشرقية.. وأصبحت الخدمات منتشرة في كل حي من أحياء المنطقة.
أعطيت الصلاحيات من وزارة الصحة ومن مدير عام الشؤون الصحية في ذلك الوقت دكتور سامي الصغير.
* أنت شاهد على الخدمات التي تقدم في محافظة القطيف.. صف لنا هذا الاهتمام؟
- الدولة تولي المواطنين في أي مكان اهتماماتها والملك فهد في ذلك الوقت وجه عاجلا بإنشاء أكبر مستشفى في محافظة القطيف يحتوي على كافة التخصصات.. وتبع ذلك إنشاء عدة مراكز ومشروعات خدمية.
هذه المحافظة أصبحت القطيف فيها من المشروعات التي تعد نقلة نوعية وأصبح أبناء القطيف يحظون بالتعليم وأصبحوا أطباء ومهندسين ويسهمون في خدمة وطنهم.. وهم من خيرة الاستشاريين وفتحت لهم الفرص.
* ماذا أعطاك الوطن.. وماذا أعطيت الوطن؟
- الوطن أعطاني كل شيء.. أعطانا الأمن.. أعطانا الاستقرار.. أعطانا رغد العيش، رفع رؤوسنا أمام دول العالم.
أما ما قدمته أنا فهو واجب علي بلا منّة.
* كيف تنظر إلى اللحمة الوطنية؟
- نحمد الله أن هذه اللحمة لم تتغير منذ أن وحد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- المملكة وما زلنا على هذه اللحمة إن شاء الله إلى يوم القيامة وعلينا أن نقوي هذه اللحمة ونزرعها في أبنائنا حتى نقف صامدين أمام أعدائنا من خلال فخرنا بلحمتنا.
* ما هي التحديات التي ما زالت تواجهنا في المملكة؟
- ما دام في طموح فإن التحديات ما زالت تواجهنا وولاة أمرنا طموحهم غير محدود والدور علينا نحن أبناء هذا الشعب أن نساند ونلتف حول قيادتنا لأن أعداء المملكة لا يرضيهم هذا التطور في كل أمر.
* كيف تنظر إلى النقلة الحضارية في المملكة؟
- رؤية الأمير محمد بن سلمان فاتحة خير لهذه البلاد وأهلها.. ونحن في وطننا نعيش نهضة غير مسبوقة وهذه الرؤية غيرت المفاهيم نحو التنمية وغيرت مفاهيم كل المسؤولين ووصلنا إلى أمور جيدة والقادم أفضل.
) ما هو المطلوب من الإعلام السعودي لإبراز قضايانا؟
- الإعلام السعودي أصبح واعيا ومدركا لما يدور حولنا ومن هم أعداؤنا.. ومن هم أصدقاؤنا وهناك رجال في إعلامنا السعودي بالمرصاد لمن يشوه صورتنا ويقودون الإعلام ولكن نطلب منهم المزيد لأن المتغيرات والنقلة التي نحن فيها تتطلب من إعلامنا مضاعفة الجهد.
* كيف تنظر للسياحة في المملكة؟
- السياحة في المملكة فيها نقلة نوعية والمملكة مليئة بالمناطق الخلابة والجميلة ونحن في حاجة إلى بذل المزيد من المشروعات وبناء البنية التحتية مثل الفنادق والشقق المفروشة وإيجاد ضوابط للأسعار وتحسين المطارات لأن كل منطقة من مناطق المملكة لها ميزتها.. ولم تعد في حاجة للسفر خارج المملكة وأنا متفائل بمستقبل السياحة في وطننا.
* من هو مثلك الأعلى؟
- من واقع 47 عاما من العمل أقول إن مثلي الأعلى في هذه الحياة هو الملك سلمان وهو نموذج للقيادة الرشيدة وملوكنا السابقون -رحمهم الله- الذين أعطوا بلا حدود هم مثلنا الأعلى وهم قدوتنا في العمل لخدمة دينهم ووطنهم ووالدنا ووالد الملوك الملك عبدالعزيز -رحمه الله- هو مثلنا الأعلى في الكفاح والصبر والعطاء.. وهو قدوتنا لأنه أعطى لنا للحمة والوحدة.
* هل أنت مع الاستفادة من خبرات المتقاعدين؟
- نعم، أنا مع ذلك خاصة ممن لديهم تخصصات نادرة ولديهم سجل حافل بالإنجازات وأنا أؤيد أخذ رأي بعض المتقاعدين في بعض المبادرات وبعض الخطط فلربما يضيفون شيئا من خبراتهم وعلمهم السابق لأن فيهم أصحاب عقول نيّرة.. خبرات الأولين فيها ما يفيد الوطن..
* ما هو برنامجك اليومي؟
- برنامجي اليومي عادي جدا وأنا رجل أحب القراءة لبعض الكتب التي أهديت لي عندما كنت على رأس العمل ولم أتمكن من قراءتها.. لدينا برنامج رياضي بسيط وكذلك زيارة الأقارب والأصدقاء.
* كيف وجدت نفسك بعد التقاعد؟
- أنا بعد أن تقاعدت من عملي وضعت لنفسي برنامجا أمشي عليه وأعطي زوجتي وأبنائي بعد بعدي عنهم وأنا مرتاح جدا لا أذكر أنني أسأت لأحد في حياتي وبالتالي أنا مرتاح بعد تقاعدي وأنا أحس أن الدولة في أيد أمينة شابة جالسين يعملون ويخططون وفي مقدمتهم ولي العهد -رعاه الله- الأمير محمد بن سلمان هذا الشاب الطموح هو من رسم لنا مسارا جديدا لهذه البلاد وأهلها..
* من هو قدوتك في الحياة؟
- قدوتي في الحياة والدي.. فهو شخص لم يتعلم ولكنه كان مكافحا وعمل في أرامكو أعواما وكان صادقا في حياته وحريصا علينا أن نقرأ القرآن في المساجد.