خالد بن حمد المالك
أمس حُجبت الثقة عن الحكومة الفرنسية، وبنفس اليوم خرجت الإضرابات في كوريا الجنوبية تُطالب بعزل الرئيس الذي أعلن الأحكام العرفية قبل أن يسقط البرلمان قراره، ويُطالب بتقديم استقالته.
* *
هذا في دولتين تدعيان بأنهما ديمقراطيتان، بينما مثل هذه القرارات تثير الشارع، وتؤزِّم الموقف الأمني، وتؤثِّر على الاقتصاد، وقد تتجه إلى المصادمات إن لم يتم تطويقها مبكراً.
* *
ومن المبكر التنبؤ بما ستؤول إليه الأوضاع في هاتين الدولتين، وإن كانت كوريا الجنوبية هي المرشحة تحديداً لتطورات بالغة التعقيد ما لم يقدم الرئيس على أخذ قرار يستجيب فيه للمعارضة بتقديم استقالته.
* *
لاحظوا أن الرئيس انتخب وفق آلية ديمقراطية، وهو الآن ملزم بالاستقالة خارج هذه الديمقراطية المزعومة، وكأن كوريا الجنوبية دولة من العالم الثالث المتخلِّف.
* *
انغماس الدول الكبرى في مشاكل داخلية، وأحياناً خارجية يظهر ضعف وهشاشة الأنظمة، بما لا يمكن الجزم بأن بقية هذه الدول قادرة على ضبط أمنها واستقرارها، بعيداً عن وقوعها بما يؤثِّر على ذلك.
* *
نحن هنا لا نتكلم عن إسرائيل وسوريا ولبنان واليمن وفلسطين، فهذه لها ظروفها وأسبابها، وأنظمتها المختلفة، وإنما نتكلم عن صراعات حزبية تقود دولاً تزعم أنها دول ديمقراطية.
* *
أليست الدول الأوروبية، وهي مصنَّفة على أنها دول ديمقراطية، تحترم حرية الرأي، وحقوق الإنسان، حتى وإن كان ذلك انتقائياً، هي من حين لآخر تتعرَّض لهزَّات وصراعات وخلافات حزبية؟
* *
ما جرى في كوريا الجنوبية، وحتى في فرنسا، يرسل إشارة على أن أياً من الدول لن يكون في مأمن من الإنهاك بحسب حجم الخلافات الداخلية، واستثمار ذلك في تدخل الغير بالشؤون الداخلية لهذه الدول، وأقرب مثال الحرب في أوكرانيا.
* *
وجميع الدول مرشحة للتصعيد طالما سُمح بعضها وأُعطي له الحق في التواجد في أراض ودول ليست له، بحجة المساعدة في ضبط الأمن والاستقرار في هذه الدول، كما هي سوريا التي تتواجد فيها قوات أجنبية متعدِّدة بعضها بطلب من سوريا، وأخرى دون موافقتها.
* *
وأمام كل هذا، فلا توجد قوة في العالم تستطيع أن تضمن حماية دولتها، وهي إن ضمنت ذلك الآن، فإنها لا تستطيع أن تؤكِّد على ما هي موعودة به في المستقبل، وإلا لما كان هذا السباق بين الدول الكبرى على تأمين مخزون هائل من السلاح بما فيه النووي في كل دولة.
* *
والعالم أمام هذه التقلّبات المزعجة، والحروب التي لا تنتهي، والمتغيِّرات التي لا تخدم أحداً في كثير منها، تحتاج إلى إصلاح الأمم المتحدة ومؤسساتها، ومعالجة الأوضاع المالية والمناخية، وإظهار الرغبة في التعاون بين الدول في كل شيء، وبما يخدم البشرية.
* *
وإن التهديد بحرب عالمية ثالثة، هو تهديد مرشح لأن ينفذ، متى تفاقمت المشاكل، وازدادت حدة الخلافات، وأصبحت الحرب هي الخيار الذي لا بديل عنه، خاصة والعالم الأول يمر بأسوأ حالاته، في ظل أجواء غاية في الخطورة.