هشام فرجي
تأملات في آية: {وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}: درس إلهي في قيم الإنسانية والتسامح.
جاء قول الله تعالى: {وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} (البقرة: 237) في سياق الحديث عن أحكام الطلاق والعدّة، لتحمل معاني سامية ودروسًا عظيمة تتجاوز الحدث الظرفي لتخاطب جوهر العلاقات الإنسانية.
هذه الآية ليست مجرد توجيه شرعي، بل هي ميثاق أخلاقي يرسّخ قيم الرحمة والعفو والاعتراف بالجميل، حتى في أحلك لحظات الخلاف.
عندما يتحدث الإنسان عن الحقوق والواجبات، فإنه غالبًا ما ينظر إلى العلاقات من منظور مادي صرف، قائم على مبدأ الأخذ والعطاء. لكن القرآن الكريم في هذه الآية يدعونا إلى السمو فوق منطق العدالة إلى رحاب الفضل. فالفضل هو الإحسان الذي لا يُطلب، والجميل الذي لا يُنسى، والعفو الذي يُمنح دون مقابل. إنّه المبدأ الذي يحوّل العلاقات البشرية من صراعات على المصالح إلى شراكات مبنية على الودّ والتقدير.
تعلّمنا هذه الآية درسًا بالغ الأهمية، وهو أن لحظات الخلاف أو الانفصال لا ينبغي أن تمحو ذكريات الخير والمودة التي جمعت بين الناس.
ففي العلاقة الزوجية، على سبيل المثال، قد تكون هناك لحظات من الحب والعطاء والتضحية التي يجب أن تبقى حاضرة في الذاكرة، حتى لو انتهت العلاقة بقرار الانفصال. هذا التوجيه الإلهي يعكس أسمى معاني الإنسانية، حيث يُطلب من الإنسان أن يترفّع عن النزاعات وأن يبقى وفيًّا لذكريات الخير.
إن تذكّر الفضل بين الناس ليس مجرد مسألة أخلاقية، بل هو ضرورة لبناء مجتمع متماسك؛ فكم من علاقات انهارت بسبب تناسي لحظات الخير، وكم من خصومات تفاقمت لأن أحد الأطراف غفل عن الاعتراف بجميل الآخر.
في زمن تتزايد فيه التوترات الاجتماعية والنزاعات الأسرية، تأتي هذه الآية كرسالة إلهية تُذكّرنا بأن العفو والتسامح والاعتراف بالجميل هي أسس ضرورية لبناء علاقات إنسانية صحية.
عندما نقرأ قوله تعالى: {وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}، نجد فيها دعوة مباشرة إلى التحلّي بكرم الأخلاق، وهذا الكرم لا يتجلّى فقط في الأفعال، بل في استحضار المواقف الإيجابية والذكريات الجميلة التي جمعت بين الناس، كما أن هذه الآية تُلزمنا بتعليم الأجيال القادمة أن الخلاف لا يعني إلغاء الآخر، وأن الكرامة الإنسانية تتجلى في احترام الآخر وتقديره، حتى بعد انتهاء العلاقة.
في عالم تهيمن عليه الماديات والصراعات على المصالح، تبرز آية {وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} كمنارة هداية تُعيد التوازن للعلاقات الإنسانية. إنها دعوة مفتوحة لكل فرد في المجتمع ليعيش بقيم التسامح والعرفان والعفو، مستلهمًا من هذا التوجيه الإلهي رؤية أكثر رحابة ونبلًا للحياة. لعلنا بهذا النهج نرتقي بأرواحنا ونُسهم في بناء عالم تسوده الرحمة والإحسان.
** **
- المغرب